لاشك أن تقرير -بيكر هاملتون- الذي نظر اليه بوصفه تقريرا لحكماء الكونجرس والذي جري طرح توصياته التسع والسبعين في السادس من الشهر الحالي جاء كطوق انقاذ لبوش الصغير كان التقرير دقيقا في وصف الحالة العراقية عندما انبري يشخص مواطن الخلل الحادث في العراق من جراء الاحتلال بيد انه لم يكن موفقا في إيجاد العلاج للوضع المأساوي الذي آل إليه العراق لاسيما عندما اعتمد كثيرا علي الحكومة العراقية وأناط بها الحل رغم أن هذه الحكومة هي أس البلاء فهي التي رسخت الطائفية وعمقت المذهبية ومعها تحول الوضع في العراق إلي فرق للموت وقتل علي الهوية. خيار الحوار مع سوريا وإيران وهكذ بدا التقرير وكأنه لا يريد ان يتجاوز العملية السياسية التي تقودها حكومة نوري المالكي لأن إدارة بوش هي التي جاءت بها ومن ثم رأي التقرير أن من الضروري الحفاظ عليها رغم أنها ستقود العراق إلي الهاوية وعرج التقرير علي خيار فتح حوار مع كل من إيران وسوريا ولم يضع شروطا لذلك بل علي العكس قدم حوافز فبالنسبة لإيران ترك ملفها النووي لمجلس الأمن وبالنسبة لسوريا لوح بعقد مؤتمر دولي للسلام علي غرار مؤتمر مدريد الذي عقد سنة 1991 والذي كان بمثابة مكافأة للعرب في حينه مقابل تحالفهم مع أمريكا في حرب تحرير الكويت وجاء هذا خلافا لبوش الذي وضع شروطا مسبقة قبل إجراء أي حوار مع سوريا وإيران كان من بينها وقف إيران تخصيب اليورانيوم ووقف دعمها للإرهاب والغريب أن بوش بدا وكأنه يعلق كل الكوارث علي شماعة سوريا وإيران ويحملها مسئولية تدهور الوضع في بلاد الرافدين رغم أن كل ما جري ويجري في العراق هو نتاج لمغامرته المشئومة في اجتياح العراق في مارس سنة 2003. الاستقرار أولا قبل الديمقراطية تقرير -بيكر هاملتون- تجاهل المشروع الذي بشر به بوش ألا وهو الديمقراطية وكان علي حق فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية وهناك فوضي وعدم استقرار وعليه كان الاستقرار أولا هو الهدف حتي إذا تحقق أمكن عندئذ تحقيق الديمقراطية فيما بعد كما أن التقرير ربط بين ما يسود من أوضاع في العراق وبين ما يسود من أوضاع في المنطقة وخص بالذكر قضية الصراع العربي الإسرائيلي ولا شك أن هذه نقطة مهمة ويمكن بالفعل البناء عليها وكأنه أراد بذلك إحياء عملية السلام في الشرق الاوسط التي اسقطها بوش من اعتباره كلية وتسبب بذلك في اخراج أمريكا من معادلة كونها وسيطا شريفا أمينا نزيها. تقرير إدانة بوش ولاشك أن التقرير يعد إدانة قاسية لبوش وسياسته ولهذا حاصر بوش ووضعه في زاوية ولا غرابة فأمريكا هي التي أعانت علي تقسيم العراق بعد أن كان كيانا سياسيا واحدا. لقد أكد التقرير أن السياسة التي اتبعها بوش غير مجدية بل وأثبت أن بوش مازال يسبح مع الأوهام لاسيما عندما يتحدث عن التقدم الذي أحرزه في العراق وعن النصر الذي حققه.. وبالتالي فإن التقرير كان بمثابة رسالة واضحة إلي بوش تقول له بالخط العريض أيها الواهم غير سياستك فورا وإلا فإن المآل هو الكارثة. رؤية جيتس وخلافا للنصر الذي لم يتحقق أكد روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي الجديد في معرض رده علي سؤالين أمام جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ بأن أمريكا لم تربح الحرب في العراق وأن حالة المراوحة في أرض الرافدين لا تطاق وأن استراتيجية أمريكا في العراق قد أخفقت ولم تحقق نجاحا أما أكثر ما ركز عليه فهو قوله بأن الهجوم علي إيران قد يكون بمثابة الكارثة للولايات المتحدة. تقرير للحل الوسط ما أكده تقرير -بيكر هاملتون- بأن الوضع في العراق خطير وفي تدهور وإذا استمر ستكون العواقب قاسية وأن الانزلاق نحو الفوضي سيكون بمثابة شرارة انهيار للحكومة ويؤذن بكارثة إنسانية وأن الصراعات قد تتسع بين المذاهب كما أن القاعدة قد توسع من عملياتها بعد انتصارها دعائيا وأن ذلك كله سينعكس بالسلب علي الوضع الدولي لأمريكا الذي يشهد انحسارا ويبقي أن نقول بأن التقرير صنع بمهارة ليكون حلا وسطا يحظي بموافقة الحزبين وليكون محاولة لإمكانية تعاون بين رئيس ينتمي إلي الحزب الجمهوري وبين برلمان يهيمن عليه الحزب الديمقراطي.. التقرير في المجمل يطالب بوش بتبني نهج مختلف جذريا عن النهج الذي يتبعه حاليا.. فهل سيفعل؟!