لم يخطيء الذين استثمروا أموالهم في شركة "بويج اس ايه" متعددة الأنشطة خلال الربع قرن الأخير.. فهذه الشركة الفرنسية متعددة الأنشطة التي تضم ثاني أكبر مجموعة تشييد في العالم إلي جانب شركات التليفون المحمول والاتصالات والتليفزيون والشركات الهندسية قد ارتفعت قيمة أسهمها إلي 60 ضعف ما كانت عليه عام 1979 في حين لم تتجاوز الزيادة عشرين ضعفا في مؤشر يضم نحو 250 من كبريات الشركات الفرنسية خلال نفس الفترة المقارنة. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن وراء هذا النجاح الذي لا يمكن إنكاره تقف العائلة التي أسست الشركة بما بذلته من جهود عبر السنين لاختيار الطرق الصحيحة.. ففي الثمانينيات كانت عائلة بويج لاتزال مستثمرا صغيرا نسبيا في هذه الشركة التي تحمل اسمها، أما الاَن فإن الأخوين بويج ووالدتهما هم المساهمون المسيطرون علي الشركة التي تبلغ قيمتها السوقية في البورصة 19.7 مليار دولار "أي 15 مليار يورو". وقد تحقق لهم هذا الإنجاز بشكل متدرج من خلال سلسلة شديدة التعقيدة من التحويلات وانتقال الملكية.. وقد تم هذا كله بإجراءات قانونية سليمة ومن دون تقديم عروض للشراء أو دفع علاوة للسيطرة.. وهذا أمر قد يزعج المستثمرين في الشركات المماثلة خصوصا أن المستثمرين في شركة "بويج اس ايه" لم يستفيدوا استفادة كاملة من الصفقات التي أبرمت علي مر السنوات.. وأكثر من ذلك فإن هذه التحويلات لصالح الأخوين بويج قد أفقدت المستثمرين الاَخرين نفوذهم علي شركتهم لصالح المستثمر المسيطر. وخلاصة الأمر أن براعة ومكر عائلة بويج مكنت هذه العائلة من اكتساب حصص في شركات كان ضمها من الأصل إلي مجموعة "بويج اس ايه" مسألة قابلة للجدل ولكن الصفقات تمت بشكل حاذق وربما خبيث لا يستطيع أي مستثمر عادي أن يتتبع مسارها ليعرف إلي أين ستصب في النهاية وما إذا كانت ستقع في أيدي الأخوة بويج أم لا؟ ويبرز أمامنا هنا درس مستفاد.. فالمستثمرون المضارون من فضائح الشركات المساهمة العادية أصبحوا ينظرون إلي الشركات التي تديرها عائلات باعتبارها ملاذا للخلاص من تلك الفضائح. ولكن حكاية عائلة بويج تقول العكس، صحيح أن القادة المستأجرين الذين يهبطون بالباراشوت أو يحصلون علي أسهم مختارة قد يديرون الشركات لصالح أنفسهم في المقام الأول ولكن المديرين والقادة الذين ينتمون إلي العائلات المالكة قد لا يختلفون كثيرا.. وإذا كانت الرأسمالية العائلية ظاهرة شائعة في أوروبا فإن هذا لا يعني أنها جنة لصغار المستثمرين بل إنها قد تعطي عكس النتائج المرجوة منها. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن مارتن بويج الذي يعد ضمن نخبة قادة الشركات في فرنسا هو الذي يتولي قيادة "بويج اس ايه" منذ عام 1989 عندما أصبح رئيسا لمجلس الإدارة ورئيسا تنفيذيا للشركة خلفا لوالده فرانسيس بويج مؤسس المجموعة. وللرجل كالعادة صداقات واسعة مع أهل السياسة من أمثال نيكولاس ساركوزي وزير داخلية فرنسا والمرشح المحتمل للرئاسة الفرنسية في الانتخابات القادمة. ولعلنا نذكر أن بويج اس ايه عندما تولاها مارتن كانت أكبر شركة تشييد في أوروبا ولكنه عمل علي تنويع نشاطها ودخل بها مجال التليفون المحمول باسم شركة "بويج تيليكوم" التي تعد ثالث أكبر شركة فرنسية لتشغيل التليفون المحمول.. وقد استفاد حملة الأسهم من تملك بويج اس ايه أيضا لحصة مهمة في شركة TFI التي تدير أكثر قنوات التليفزيون الفرنسية شعبية.. وفي ابريل الماضي وافقت بويج اس ايه علي أن تدفع ملياري يورو للحكومة الفرنسية مقابل حصة تمثل 21% كانت تملكها هذه الحكومة في ألستوم وهي مجموعة هندسية. ولاشك أن موقع مارتن القيادي علي رأس بويج اس ايه كشركة مسجلة في البورصة اَمن تماما ومن خلال شركة SCDM كشركة قابضة خاصة يعتبر مارتن وشقيقه أوليفييه أكبر حملة الأسهم في بويج اس ايه حيث يتملكون 18% من الأسهم قيمتها تناهز ال 2.7 مليار يورو. ونظرا لأن السهم الذي مضي علي تملكه عامان يكون له صوتان حسب القانون الفرنسي فقد أصبحت الحصة التصويتية للعائلة تمثل 27% من جملة الأصوات في الجمعية العمومية.. ويمتلك العاملون حصة أخري قدرها 18% تضاف غالبا لصالح الأخوين بويج كما تضاف لصالحهم أيضا حصة والدتهما البالغة 1.6% من الأصوات. وتجدر الإشارة إلي أن حصة الأب فرانسيس بويج من الأصوات عند الثمانينيات لم تكن تتجاوز ال 8% انخفضت عند وفاته عام 1993 لتصبح 5% فقط ورثت منها الأم 1.6% وذهب الباقي إلي الأخوين بويج. وخلاصة هذا كله أن الأخوين يسيطران علي حصة تصويتية تبلغ نسبتها 6.46% من الأصوات. ويقول المحامون عن عائلة بويج إن هذه العائلة لم ترتكب في طريقها للسيطرة علي الشركة لا هي ولا مجلس الإدارة أي خطأ قانوني.. وأن التحويلات التي تمت لصالحهم صادق علي صحتها خبراء مهنيون وخبراء قانونيون في اَن واحد ولعل أداء شركة بويج اس ايه الجيد عبر كل هذه السنوات هو أبلغ دليل علي كفاءة الإدارة وكفاءة العائلة أيضا.