مع استمرار التراجع في أسعار البترول قررت دول الأوبك منذ أيام خفض إنتاجها اليومي بمقدار مليون برميل للمحافظة علي سعر متوازن لبترولها.. ويدور الحديث حاليا حول نقطتين أولاهما هي إلي أي مدي سوف يواصل سعر البترول انخفاضه أما الثانية فهي عما إذا كان البترول الرخيص سيخفض من خطر التضخم ويبقي أسعار الفائدة عند مستواها الراهن ويحفز النمو الاقتصادي العالمي.. أم لا؟ تقول مجلة "نيوزويك" إننا في الذكري الثالثة والثلاثين للحظر البترولي الأول يوم 17 أكتوبر 1973 نجد أن أمن العالم وأمريكا بشكل خاص من جهة الطاقة أسوأ من أي وقت مضي.. فإلي جانب تزايد اعتماد الغرب علي بترول الأوبك نجد أن هناك خطرا اَخر ناجما عن فائض الحساب الجاري لدول الأوبك الذي سيصل في العام الحالي إلي نحو 240 مليار دولار ليناهز بذلك فوائض الأسواق الاَسيوية الناشئة مجتمعة بما فيها الصين والهند. وفي حين نظم الاقتصاد الأمريكي استهلاكه للطاقة وأصبح أقل قابلية للتأثر بالصدمات البترولية فإنه أصبح مكشوفا أكثر من أي وقت مضي للصدمات المالية.. ففي عام 1973 كانت الولاياتالمتحدة أكبر مصدر للائتمان في العالم وكانت لذلك محصنة نسبيا ضد أي هجمات تستهدف الدولار أما الاَن فهي مدينة بنحو 3 تريليونات دولار لدائنين فيما وراء البحار وهو ما يجعلها عرضة للمكائد المالية الأجنبية. وبعكس الدول الاَسيوية فإن كثيرا من دول الأوبك تموه علي استثمار احتياطياتها البترودولارية بوضعها في شركات استثمارية خاصة، كذلك فإن البنوك المركزية في إيران التي تضاعفت احتياطياتها في السنوات الثلاث الأخيرة وفنزويلا التي زادت احتياطياتها 30% يوجهها قادة سياسيون معادون للولايات المتحدة. وإذا حدثت مواجهة بين واشنطن وطهران أو كاراكاس فإنهما قد يستخدمان صناديق الضمان التي تستثمر احتياطياتهما في صنع أزمة داخل الاقتصاد الأمريكي.. صحيح أن هذا سيكون سلوكا غير عاقل لأنه سوف يقلل من قيمة احتياطياتهما الدولارية.. ولكن السلوك المتطرف كما نعرف لا يهتم كثيرا بالحسابات الاقتصادية ويفضل عليها اعتبارات السياسة الوطنية. وتجدر الإشارة إلي أنه في حين يظل الشرق الأوسط أكبر مشكلة في السياسة الخارجية الأمريكية مثلما كان الحال عام 1973 فإن هناك مشكلات جيوبوليتبكية أخري مرتبطة بالطاقة قد ظهرت أخيرا مثل سعي إيران إلي امتلاك أسلحة نووية ومحاولات روسيا لاستخدام ما لديها من بترول وغاز لإخضاع جيرانها.. وجهود الصين للحصول علي إمدادات الطاقة من الخارج عن طريق تقديم تنازلات في مجال التجارة والمعونات لدول تضعها واشنطن في القائمة السوداء مثل إيران وفنزويلا والسودان وبورما. ومن ناحية أخري، فإن قبضة الشركات الأمريكية علي الاحتياطيات البترولية قد تراخت عما كانت عليه قبل 3 عقود حيث تسيطر حكومات مجترئة علي 80% من الاحتياطيات العالمية عن طريق شركات تعكس دائما الأهداف السياسية لقادة بلادها. وتقول مجلة "نيوزويك" إن واردات أمريكا من البترول قد تضاعفت خلال الثلاثين سنة الأخيرة كنسبة من استهلاكها الكلي لتصبح 60% من هذا الاستهلاك.. صحيح أن نجاح أي حظر بترولي اَخر صار أمرا مشكوكا فيه يستطيع الإنتاج القادم من الاتحاد السوفييتي السابق وأفريقيا والولاياتالمتحدة وأوروبا أن يعوض أي نقص جوهري إلي جانب ما لدي أوروبا والولاياتالمتحدة من مخزونات استراتيجية.. ولكن هناك مشكلات أخري مثل التهديد الإرهابي للمنشاَت البترولية ولطرق نقل البترول خاصة خليج هرمز الذي يمر منه 20% من بترول دول الخليج. وأكثر من ذلك فإن دول الأوبك صارت في وضع يمكنها من عرقلة الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة وهو الاتجاه الذي نشط بشدة منذ الصدمة البترولية الأولي عام 1973. باختصار، يمكن القول بأن عمر البترول لن ينتهي قريبا وإن اعتماد الغرب وأمريكا بشكل خاص علي الطاقة الكربو نية سوف يقل. وتقول أرقام وكالة الطاقة الدولية إن الخمس والعشرين سنة القادمة ستشهد زيادة في الطلب علي البترول تبلغ نسبتها 50% وأن السبب الرئيسي وراء ذلك هو زيادة تصنيع الصين والهند وغيرهما من الأسواق الناشئة. وتقول أرقام الوكالة أيضا إن هناك حاجة إلي نحو 4 تريليونات دولار كاستثمارات جديدة في عمليات استكشاف البترول والغاز وما يرتبط بهما من بنية أساسية خلال الخمس والعشرين سنة القادمة وذلك حتي يظل المعروض البترولي مناسبا للزيادة المتوقعة في الطلب. وهكذا يكون لمخاوف أمريكا من أي صدمة بترولية أو تاَمر مالي من جانب دول الأوبك مخاوف في محلها بل مخاوف سوف تستمر لفترات طويلة في المستقبل.