اقتصاد نفسي لم تبخل علينا السماء بعشق الرجل للمرأة وعشق المرأة للرجل. وإذا كان عصرنا قد غالي في تقديس جمال المرأة، إلاأن هذا التقديس كان مشوبا في أغلب الأحيان بكثير من سوء الاستخدام، ومارسنا ضد النساء أبشع ألوان وأنواع الاستهلاك بغرض زيادة المبيعات، حتي ولو كانت المبيعات مياهاً غازية. ومازلت أذكر كيف لجأت احدي فتيات الإعلان إلي إحدي العيادات النفسية لتقول للطبيب "حين أعود إلي البيت أشعر أن كل عين تنظر إلي الاعلان الذي قمت بأدائه وكأنها تأخذ قطعة مني، كان العمل في البداية مفرحا، ولكن بعد ثلاث سنوات صار العمل مهينا". ولا أنسي أنا كاتب هذه السطور أن حلقة نقاش وحيدة حضرتها في نيويورك عن فتيات الدعاية وقالت أكثر من واحدة "نعم هناك مساومات علي الجسد من المصور، ومن المخرج، ومن المنتج، وتلك متاعب طبيعية، ولكن المؤسف أني أعود إلي منزلي منهكة للغاية، وصرت أعاني من كراهية لجسدي، ولا أتفاعل عاطفيا أو جسديا مع من أحبه.. صرت باردة". قالت أخري: أنا ضد عملي ولكني أحب الأجر الذي أتقاضاه وغالبا ما أصرف النقود في أشياء تافهة. فكرت في كل ذلك وأنا أتجول في معرض الفنان عبدالعال حسن المقام في قاعة بيكاسو بالزمالك، فقد تجول عبدالعال لا في وجوه نساء مصر الموجودات في مختلف أنحاء مصر، بل كانت جولته تحترف الدخول إلي أعماق أي امرأة يرسمها. ولما كنت كثير الشجار مع عبدالعال لسنوات سابقة، لأن الكاميرا تساعده في التقاط صورة ما من السوق من القرية أو من الحي الشعبي، لذلك فأنا أتوجس خيفة من معارضه،أخاف أن يقع هو في مطب الحرفية الشديدة التي تسلب اللوحة روحها، خصوصا وهو من خريجي قسم ديكور، والصفة المميزة لمعظم الخريجين هي الحرفية الشديدة الاتقان إلي درجة تسرق من المصور قدرته علي أن يعطي بعضا من روحه في اللوحة التي يرسمها وعلينا أن نعترف لعبدالعال بالقدرة علي تجاوز هذا المطب التاريخي الذي يحول بعضا من المصورين المحترفي إلي مزخرفين لا أكثر ولاأقل، وحتي عندما ينبغ الواحد منهم فهو يظل في مكانه كأن رسمه بالأمس هو رسمه في الغد دون أي تطور ولما كان الرسم بالزيت يختلف عن تسمع جدول الضرب، لذلك فلابد من أن ينمو الفنان بأن يضع الخبرة مع خلاصة الروح. وقد استطاع عبدالعال في العديد من اللوحات أن يصل إلي هذا الإبداع، بل هناك لوحة لتوأمين من النساء تمثل طريقا جديدا قد نراه ظاهرا بوضوح موسيقي في المعرض القادم. مبروك لعبد العال وشكرا لإبراهيم بيكاسو صاحب دار العرض هذا العاشق للفن الرايق المزاج.