انتشر الصينيون في الحي الصناعي لمدينة براتو بوسط إيطاليا إلي حد أن لغة المقاهي في هذه المدينة صارت هي الصينية وليست الإيطالية، وحدث نفس الشيء بالنسبة لإشارات الشوارع وحتي الجرائد.. ومنذ سنوات قليلة كان الصينيون لا يتجاوز عددهم في براتو عدة مئات، ولكنهم الآن صاروا 10 آلاف صيني يمتلكون ألفي مصنع للمنسوجات في هذه المدينة التي انتعشت فيها هذه الصناعة علي أيدي الصينيين. وتقول مجلة "نيوزويك" إن هذا الانتشار الصيني صار ظاهرة متكررة في معظم أنحاء أوروبا، فإلي الشمال من براتو بنحو 1000 كيلومتر في السويد تتزايد أعداد الصينيين واستثماراتهم وفي السنوات الأربع الأخيرة زاد عدد المشروعات الصينية في السويد من صفر لتصبح 50 مشروعا ومع نهاية العام الحالي ستحل الصين محل ألمانيا كأكبر مستثمر أجنبي في السويد. فالشركات الصينية في سعيها نحو عولمة نشاطها ذهبت إلي أوروبا، وفي العام الماضي أصبح الاتحاد الأوروبي وليس الولاياتالمتحدة هو الشريك التجاري الأول للصين، ومنذ عشر سنوات لم يكن أحد في أوروبا يعرف ربما حتي أين تقع الصين، أما الاَن فقد أصبح الصينيون موجودين في أسواق المال الأوروبية لجمع التمويل للشركات الصينية الجائعة مثلما هم موجودون أيضا في سوق التجارة والاستثمار. وربما كانت أرقام الاستثمارات الصينية في أوروبا لاتزال صغيرة بالمقارنة مثلا إلي استثمارات بلد مثل تايوان ولكن منحني نمو هذه الاستثمارات يتجه بسرعة فائقة إلي أعلي.. وتقول شركة الاستشارات إيرفست اند يونج إن عدد المشروعات الصينية في أوروبا زاد بنسبة 500% منذ عام 2000 حتي الاَن وتشمل هذه الاستثمارات كل شيء من المشروعات المشتركة إلي مصانع تجميع الدراجات البخارية في تشيكوسلوفاكيا إلي مشروعات الاتصالات. وتستضيف مدينة هامبورج الألمانية وحدها حاليا 350 شركة صينية معظمها يمثل شركات كبري في الصين نفسها. ويري نيجيل ويلكوك خبير الاستثمار في إيرنست اند يونج أن الاستثمارات الصينية في أوروبا تسلك نفس الطريق الذي سبق أن سلكته الاستثمارات اليابانية في هذه القارة.. ومعلوم أن اليابانيين في السنوات العشر الأخيرة كانوا يصنفون كأكبر مستثمر أجنبي في أوروبا بعد الولاياتالمتحدة. والحقيقة أن الأوروبيين بدورهم لم يعودوا مقصرين في محاولة اجتذاب المستثمرين من الصين.. فمنذ أربع سنوات فقط كان البريطانيون وحدهم هم الذين يفعلون ذلك، أما الاَن فقد انتقلت العدوي إلي أوروبا كلها الرسمية والشعبية علي حد سواء.. ومنذ أسابيع ذهب رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي إلي بكين علي رأس وفد يضم 700 شخص اَملا أن يجعل إيطاليا هي بوابة أوروبا إلي الشرق. وفي لندن قبلة الصينيين الأولي في أوروبا يفكر مجلس المدينة في إنشاء حي صيني كامل إلي الشرق من حي المال في العاصمة البريطانية.. وفي النمسا قررت الحكومة المساهمة في تمويل وادي التكنولوجيا الصيني المقرر إقامته قرب فيينا الذي يتكلف نحو 100 مليون يورو. وواضح أن الشوق متبادل بين أوروبا والصين، ففي السنوات الخمس الأخيرة كانت الصين تدفع شركاتها إلي العمل فيما وراء البحار وإقامة ماركات عالمية وتعلم المهارات الأجنبية.. وفي العام الماضي زادت الاستثمارات الصينية في الخارج بنسبة 25% وتؤكد التقارير الصحفية الألمانية أن الصين تعتبر أوروبا أكثر الأسواق الواعدة بالنسبة لها في العالم كله.. وفي جولته الأوروبية في سبتمبر الماضي اصطحب رئيس الوزراء الصيني وين جياباو عددا كبيرا من ممثلي كبريات الشركات الصينية في مجال صناعة السيارات والصلب والبترول والغاز وغيرها. وأحيانا يتصيد المشترون الصينيون الشركات الأوروبية الشهيرة التي تقع في أزمة لكي تسيطر عليها.. فشركة روفر كار البريطانية صارت الاَن في يد شركة السيارات الصينية نانجنج أوتومبيل، ونفس الشيء حدث لشركة بينللي الإيطالية للدراجات البخارية وهي شركة عريقة عمرها 95 عاما.. وهذه قصة متكررة من جانب المشترين الصينيين في بلاد أوروبية كثيرة مثل ألمانيا حيث يتم التركيز علي الشركات المتوسطة والصغيرة في العديد من الصناعات. ونستطيع القول بأن كل دولة أوروبية لها عناصر جاذبيتها الخاصة بالنسبة للصينيين ففي بريطانيا تلعب اللغة الانجليزية دورا مهما في جذب الصينيين وذلك إلي جانب البورصة حيث تفضل الشركات الصينية قيد نفسها في بورصة لندن.. ويعتبر المجتمع الصيني في بريطانيا أكبر مجتمع صيني في أوروبا كلها ويضم بجانب المستثمرين والعمال اَلاف الطلاب بل المهاجرين غير الشرعيين. باختصار نقول إنه صار للصينيين مواقع أقدام في كل أنحاء أوروبا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا من أسبانيا إلي المجر وحتي ايرلندا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وغيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي.