هذه هي السنة الثامنة للسحابة السوداء رغم أنف وزيرين وثلاث حكومات. فلا أحد استطاع قهر السحابة التي تغرق مصر بسمومها دون أن نجد ترياقا يحمي شعبنا الصبور من الاختناق وتحجر الرئة. الظاهر أن هذه الظاهرة الكونية الجديدة لا تقهر حتي قد أصبح السؤال التقليدي الآن ما هو موعد السحابة السوداء وأصبحت الإجابة أيضا شهري أكتوبر ونوفمبر من كل عام، وهكذا أصبح للسحابة السوداء تاريخ يؤرخ له في المواسم مثلها مثل النو وهبوب العواصف والخماسين وغيرها والتهمة موجهة كل عام إلي قش الأرز وإلي محافظة القليوبية التي تجرأت وزرعت أرزا وهذه هي النتيجة الظاهرة وصلت إلي القاهرة ووصلت إلي البهوات والبشوات وهنا بدأنا نهتم بها فالمهم صفوة المجتمع وزواره.. أما الفلاحون الغلابة الذين يعيشون وسط كل أصناف وأنواع التلوث فلا يهم فنحن لدينا منهم الكثير!. ماذا نفعل في قش الأرز، هذا الفيروس الذي أصابنا ولا نستطيع قهره؟ وماذا تفعل البلاد المسكينة التي تعيش فقط علي إنتاج الأرز من الصين إلي كل جنوب شرق آسيا؟ سمعت أنهم قضوا علي مثل هذه المشاكل البسيطة من وجهة نظرهم والعويصة من وجهة نظرنا بعد ثماني سنوات بوجود وزارة بيئة وبدون يوسف والي الذي اتهم إعلاميا وشعبيا بأنه وراء إقالة الدكتورة نادية مكرم عبيد الألمعية لأنها اتهمت وزارة الزراعة بأنها وراء السحابة السوداء فكان جزاؤها الإقالة! ولكن لاتزال هناك سحابة سوداء، غاب يوسف والي وغابت نادية مكرم عبيد ومع هذا لم تغب السحابة المسمومة!. المسألة ببساطة ان هذه الدول المنتجة للأرز تجمع قش الأرز وتستفيد منه كسماد وقد أقامت المصانع الصغيرة للاستفادة منه بدلا من ان يصيبها الضرر منه وهذا هو الفرق! عرفتم لماذا؟! لأنهم هنا لا يهتمون بكل شيء: الأطفال والعواجيز وشباب هذا الوطن والسياح الذين نراهن عليهم لحل بعض مشاكلنا العويصة سواء من العملة أو البطالة والتنمية السياحية بوجه عام باعتبار ان مساهمتها جوهرية في التنمية الاقتصادية والتفاهم الدولي والسلام والرفاهية والاحترام العالمي للصحة العامة، ولكي نهتم مثلهم ونحقق أهدافنا لابد من توجيه عناية خاصة للنظافة، فليس من الطبيعي ان يحضر السائح لدينا ليعود إلي بلده بالتهاب شعبي أو تحجر في الرئة أما نحن فلنا الله. والسياحة والبيئة والصحة العامة أمور لابد أن توضع في الاعتبار.. ولا يمكن لشعب نصفه مريض بأمراض الجهاز التنفسي نتيجة للتلوث الهوائي في مدنه أن ينتج ويصنع.. ولا يمكن أن تنتقل مصر نقلة حضارية عبر كل هذه السموم في جوها! وأنا واحدة من الناس المقتنعة تماما بوجود مسببات لهذه الظواهر المرضية ومنها وأهمها الإهمال والتواكل فبدون بيئة نظيفة وصحة عامة لا يمكن الوصول إلي التنمية المستدامة. إن الاهتمام بالصحة العامة يجب ان يكون الحافز الأقوي، ونحن بظروفنا الاقتصادية المعروفة أحوج ما نكون إلي النمو في كل اتجاه بالعمل المكثف ومحاولة جذب السائح الذي يهرب من مصر تحت أبصارنا وأسماعنا ولا يتحرك ساكن لدينا، ولا يمكن لهذا الطموح ان يتحقق إلا لو وجدنا حلا سريعا لمشكلة التلوث الجوي والطعام ومياه الشرب ناهيك عن تهالك المواصلات العامة وحوادث الموت في الطرقات وفي العبارات. كل هذه المشاكل أصبحت مستعصية ولذا يستوجب تضافر وتعاون جميع قطاعات المجتمع وبذل مزيد من الاهتمام بالسياحة البيئية التي تسهم بفاعلية في مكافحة الفقر، وتعتبر أداة فعالة لزيادة وعي الجمهور العام بالحاجة إلي حماية المنظومة البيئية. إن إمكانات مصر بلا حدود وان خيار التنمية المستدامة يعني ببساطة استراتيجية عملية لنظافة مصر بحرا وجوا وبرا بمفهوم ارحب يضع في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والثقافية والبيئية للعملية التنموية وليس العائد المادي أو الاقتصادي فحسب. ان الصحة العامة هي الضامن الرئيسي لاستمرارية نشاط الإنتاج والوارد السياحي والبديهي ان الاستمرار في تدهور الصحة العامة سيزيد مشاكلنا حدة فلا يمكن لمريض أو مختنق لا يستطيع التنفس ان ينتج أو يكف يده عن تدمير موارد مصر! هل نتعظ؟!