تكرار حديث الحكومة الفلسطينية وقيادات حماس عن عدم التنازل عن الثوابت الوطنية وعن خطها الجهادي المقاوم وعن اهدافها الاستراتيجية اصبح في هذا الوقت العصيب بلا طائل امام جوع المواطنين وعجزهم عن سد احتياجات اسرهم ومأبنائهم، كما بات ضروريا ان تقتنع حركة حماس بان وصولها الي الحكم والاستمرار فيه غير ممكن علي خلفية البؤس الاقتصادي الذي وصل بالاقتصاد الفلسطيني لحافة الانهيار وكذلك وصول حركة فتح التي تعتبر نفسها الاب الشرعي الوحيد للسلطة الي قناعة بان هذا الانهيار سيعصف بالسلطة وعند هذه النقطة فان الالتقاء وارد لإنقاذ حكومة حماس مما آل اليه الحال. الموظفون الذين وصلوا حد الانهيار النفسي وعلي ابواب الانهيار الاجتماعي بعد ان دخلوا حقبة الجوع يريدون في هذه اللحظة من يكذب عليهم ومن يعطيهم الامل بان حكومة الوحدة هي العلاج السحري لانتظام رواتبهم المتأخرة لذا فإن ما نراه يوميا من مشاهد لمظاهرات واضرابات للموظفين لا يمكن تصنيفه بأي حال انه حالة من التمرد علي الحكومة بإيعاز من الرئاسة لافشالها فالوضع الاقتصادي المتردي بلغ مداه وليس اصدق من اعلان البنك الدولي في تقرير له ان عام 2006 اسوأ عام في تاريخ اقتصاد السلطة الفلسطينية موضحا ان متوسط الدخل الفردي للمواطن الفلسطيني هبط بنسبة 40% بينما زاد معدل الفقر الي 67% من السكان. وفي دراسة اعدتها جامعة هارفارد الامريكية حذرت من احتمال زيادة دراماتيكية في اعمال العنف وعدم الاستقرار في قطاع غزة وانهيار البني التحتية لخدماته العامة اذا ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي علي حاله. قد تكون حماس منذ البداية اكدت مرارا عدم اعترافها باسرائيل او بالاتفاقات الموقعة معها والاستناد الي نهج المقاومة حتي تحرير فلسطين وقد يكون ذلك لم يتغير علي الاقل شكليا حتي الان لكن فعليا فان دخول حماس مشروع السلطة الاسرائيلي - الامريكي عبر المشاركة في الانتخابات يعني انها قد تنازلت عن كثير مما كان قبل ذلك من ثوابت والاحاديث عن ان حماس دخلت هذا المشروع بهدف تغيير قواعد اللعبة او وقف تقديم التنازلات او الانقلاب علي السلطة وتحويلها من سلطة اوسلو الي سلطة اخري هي مجرد احلام اثبت الواقع فشلها بل لا تعني شيئا عن حقائق السياسة والوقائع المادية وهي تعكس احتمالية اما ان حماس تورطت في دخولها لمشروع السلطة دون حسابات دقيقة مسبقة وربما انها غير قادرة علي الانقلاب علي خطابها السياسي المتفائل والتبشيري الذي ادعي امتلاك الحلول الاقتصادية والاجتماعية لقضايا وهموم الشعب الفلسطيني واكتشاف العمق العربي الاسلامي كبديل عن العلاقات الدولية وانه لا حاجة للمساعدات الدولية لان حماس تستطيع بقدرتها الذاتية وعمقها الاسلامي والعربي مواجهة المواقف وتدبير امور الحياة في فلسطين. للاسف هذا الخطاب لم يطل احد الرهان عليه خاصة فيما يتعلق بالعمق العربي والاسلامي فهذا العمق جزء من النظام الدولي الجديد الذي لا يستطيع تجاوز محدداته. ان تفاعلات ازمة العاملين بالقطاع الحكومي بسبب انقطاع رواتبهم تطول كل عائلة ومنزل فلسطيني وقد اوصلت حوالي ثلث الشعب الفلسطيني الي مستوي تحت الفقر غير المسبوق وباتت تهدد النسيج الوطني والاجتماعي بتداعيات قد تهدد - من جملة ما تهدده- الامن والسلم الاهلي والاجتماعي لذا كان من الممكن للاضرابات ان تشكل سلاحا بيد الحكومة القائمة من اجل مواجهة الجهات التي تحاصر الشعب الفلسطيني سلاحا تشهره بقوة في مواجهة الاحتلال باعتباره السبب المركزي وراء كل ما يجري واكثر من ذلك كان يمكن لهذه الاضرابات ان تسهل للحكومة النزول عن الشجرة من خلال التنازل لصالح الجماهير الشعبية بدلا من اطلاق التصريحات التي تدين الرئاسة بانها تعطل الحكومة وتمنع الاموال عنها بهدف افشالها مما يعطي سببا اخر لتأجيل التفاهمات حول تشكيل الحكومة المقبلة حول الوحدة الوطنية التي قد تولد ولادة مشوهة!!