ليست شركات السيارات الأمريكية وحدها هي التي تعيش في أزمة ولكن شركات السيارات الأوروبية أيضا تواجه أزمة مماثلة.. ولعلنا نذكر أنه منذ 10 سنوات تقريبا أعادت شركات السيارات الأوروبية الكبري مثل فولكس فاجن ورينو وبيجو ستروين ترتيب أوضاعها وبدأت بالفعل تجني بعض الأرباح ولكن أكبر مخاوفها في ذلك الحين كانت تتركز في أمرين: أولهما هو ركود الطلب والثاني هو المعايير المتشددة لحماية البيئة من التلوث التي تضعها السلطات الأوروبية. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إنه ثبت الاَن أن كلا النوعين من المخاوف كان له ما يبرره.. فمنذ أيام أعلنت المفوضية الأوروبية في بروكسل أنها لن تتسامح مع شركات السيارات إذا لم تنجح في خفض عوادم سياراتها بنسبة 25% مع حلول عام 2008 كما هو متفق عليه.. وفي نفس الوقت تلبدت سماء صناعة السيارات الأوروبية بالغيوم وتراجعت أرباح شركاتها، وربما كانت شركة فيات هي الشركة الوحيدة التي تحقق بعض الأرباح بسبب نجاح سيارتها الصغيرة من طراز بونتو، أما في فرنسا وألمانيا فإن كبريات شركات السيارات تعاني من الاضطراب.. فاليورو القوي يخفض أرباح السيارات الألمانية التي يتم تصديرها إلي السوق الأمريكي وارتفاع تكاليف العمال تأكل من أرباح فولكس فاجن عن مبيعاتها الأوروبية.. أما الشركتان الفرنسيتان بيجو ورينو فتعانيان من جمود المبيعات وشيخوخة خطوط الإنتاج وارتفاع أسعار المدخلات.. كما أن عليهما في نفس الوقت مواجهة المنافسة من سيارات تويوتا التي يتزايد نصيبها من السوق الأوروبي منذ بدأت الإنتاج في مصانعها بفرنسا. وعلي سبيل المثال فإن هوامش أرباح العمليات في رينو "إذا استبعدنا حصتيها في كل من نيسان وشاحنات فولفو" قد انخفضت في الشهور الستة الأولي من عام 2006 لتصبح 1.6% فقط بعد أن كانت 3.3% منذ عام مضي.. كما أن مبيعات سيارتها الأسرية الصغيرة من طراز مودوز لم تحقق سوي نصف ما كان متوقعا لها وذلك علي الرغم من أن كارلوس غصن رئيس رينو يري أنها سيارة لا غبار عليها. ونحن نعرف أن خطة غصن لتطوير رينو تتضمن إطلاق 26 موديلا جديدا في 4 سنوات وإذا لم يستطع هذا الرجل حل مشكلات رينو فقد يجد نفسه مضطرا إلي خفض الإنتاج والاستغناء عن العمالة وإغلاق بعض المصانع وهي أمور لن توافق عليها الحكومة الفرنسية التي تملك 15% من رينو خوفا من ردود فعل النقابات العمالية. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن مشكلات بيجو تتشابه مع مشكلات رينو وأن كثيرا من موديلاتها الجديدة لم تحقق درجة كافية من النجاح وهذا يفسر انخفاض أرباح التشغيل فيها بنسبة 46% في الشهور الستة الأولي من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام السابق 2005.. ومع ذلك يتوقع المحللون أن تتعافي بيجو في العامين القادمين بإطلاق عدد من الموديلات الجديدة وبدء الإنتاج في مصانعها قليلة التكاليف في شرق أوروبا خاصة مصانعها في سلوفاكيا وجمهورية التشيك والأخير مصنع مشترك مع تويوتا اليابانية. وربما كانت فولكس فاجن الألمانية هي أكثر الشركات الأوروبية معاناة علي الرغم من أنها تحاول تقوية موقفها.. صحيح أنها زادت نصيبها من السوق الأوروبي إلي 19.2% ولكنها تحاول دون جدوي حتي الاَن خفض تكاليف العمالة.. فالشركة تريد من عمالها رفع ساعات عملهم الأسبوعية إلي 35 ساعة بنفس أجر ساعات العمل الحالية التي لا تتجاوز ال 28 ساعة في الأسبوع، وهي علي وشك بدء المفاوضات في هذا الشأن مع نقابات العمال بعد أن هددت بالاستغناء عن 20 ألف عامل من مصانعها الألمانية بهدف زيادة الإنتاجية. ويظهر الأثر السيئ لتكاليف العمالة علي صادرات فولكس إلي السوق الأمريكي حيث خسرت هناك لهذا السبب مليار دولار في العام الماضي. ورغم هذه المشكلات فقد تمكنت إدارة فولكس من زيادة أرباح التشغيل في النصف الأول من العام الحالي بنسبة 56% لتصبح ملياري يورو ويرجع الفضل في ذلك إلي شركة أودي للسيارات الفاخرة التي تملك فولكس 99% من أسهمها، فهوامش أرباح التشغيل في فولكس حتي مع استبعاد خسائرها في السوق الأمريكي لاتتجاوز ال 2% في حين أنها تصل إلي 5.3% في شركة أودي. خلاصة القول إن فولكس إذا لم تعالج مشكلات ارتفاع التكاليف وعدم نجاحها في أسواق أمريكا الشمالية عموما وسوق الولاياتالمتحدة بشكل خاص فإنها قد تجد نفسها هي الأخري في موقف لا تحسد عليه.