.. نحن في مصر دون سائر بلاد الدنيا ننفرد بخاصية لا مثيل لها وهي أن نختار الشخص ثم نبحث له عن وظيفة وليس العكس بأن تكون الوظيفة موجودة ثم نبحث لها عن الشخص المناسب.. ينطبق هذا علي التشكيل الوزاري الذي يرأسه الدكتور أحمد نظيف.. والجميع يعرف من هم هؤلاء الاشخاص أو الوزراء الذين تم اختيارهم بهذا المعني. عموما ما يعنيني هنا هو وزارة التخطيط فهذه الوزارة أجد نفسي من أشد المتحمسين لوجودها لأنها تؤدي دورا حيويا ومهما في وضع استراتيجية القطاعات الإنتاجية والخدمية.. وزارة التخطيط تقوم بدور جوهري في توجيه حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية في مصر. ويحضرني هنا كلمات للاستاذ هشام محيي الدين الناظر سفير السعودية بالقاهرة إبان توليه وزارة التخطيط في مرحلة الطفرة وهي الفترة التي شهدت انتعاشا وتطورا في المملكة غير مسبوق يقول هشام الناظر: إن التحدي الذي تتصدي له الخطة يتجه نحو تغيير شكل الاقتصاد وتنويع قاعدته ورفد مصادر الدخل بموارد جديدة واستغلال كل الطاقات الكامنة لتعمل بكل فاعليتها وشغل المواقع بالقوي العاملة من الكفاءات الوطنية واستغلال الخدمات القائمة للحد الأقصي من قدراتها وصيانتها واستحداث أسواق جديدة عالمية أمام التصدير.. وفتح أبواب جديدة أمام التصنيع والزراعة والثروة المعدنية والتسويق وتشكيل القوي العاملة، ومن الطبيعي أن تتجه الخطة إلي تقليل الانفاق وزيادة طاقة العمل وكفاءته. هذه هي مهمة وزارة التخطيط.. مهمتها تحقيق أحلام الشعب.. شعب اتخذ من الصبر سلاحا ومن الطموح قوة ومن الإيمان مرتكزا فثابر علي رفعة مجد أمته وصناعة وجودها الحضاري دافعا بها إلي صدارة هذا العصر. ونحن في مصر نستهين بأهمية التخطيط.. وبسهولة شديدة نتفكر في إلغاء وزارة التخطيط وكأنها وزارة هامشية والخطأ ليس في الوزارة، ولكن الخطأ فيما يقودها.. فإذا كان الوزير ليس علي مستوي الفكر والمنهج والمقدرة فيمكن تغييره بآخر يعي أهمية دور الوزارة. عملية التخطيط ليست مجرد إعداد وثائق الخطط التشغيلية للقطاعات المختلفة وخطط المحافظات.. بل هي عملية مستمرة من المتابعة والتقويم والمراجعة الدقيقة علي ضوء ما يستجد من ظروف دولية أو محلية. في التغيير الوزاري توقع الكثيرون إقالة د.عثمان محمد عثمان وزير التخطيط، ولكن خابت التوقعات، وبقي الرجل في مكانه بل وأضيفت إليه وزارة التنمية المحلية ولست أدري هل كانت مكافأة له علي اجتهاده أم عقابا علي قصوره في إدارة وزارة التخطيط.. وحدث ما حدث لوزارة التنمية المحلية خلال سبعة شهور من انضمامها للتخطيط من تمزيق لقطاعات الوزارة وتشريد للموظفين واستطاع وزير التخطيط أن يمحو شخصية التنمية المحلية لتفقد وظيفتها إلي أن صدر التعديل الوزاري المحدود بإعادة هيكل وزارة التنمية المحلية لتستعيد بريقها انطلاقاتها من جديد وتوقع الجميع بمن فيهم كاتب هذه السطور إقالة وزير التخطيط د.عثمان محمد عثمان ولكنه بقي وبدلا من إقالته انشأوا له وزارة جديدة تحمل اسم التنمية الاقتصادية وهي وزارة ستكون بالتأكيد من بقايا بعض الوزارات. ويؤكد الدكتور محمود صبري الشبراوي استاذ الادارة وخبير التنمية البشرية أن التعديل المحدود والأخير هو حالة الترقيع التي قامت بها الدولة في إنشاء وزارة جديدة تحت مسمي التنمية الاقتصادية رغم أن اختصاصاتها ستتداخل مع وزارات أخري ومنها التنمية المحلية لأن التنمية الاقتصادية هي تنمية المجتمعات المحلية وبالتالي لم يأت التعديل الجديد سوي بعملية ترقيع للفوضي التي عهدناها في عملية التنمية. إلغاء وزارة التخطيط وإنشاء مجلس قومي للتخطيط.. وما أكثر المجالس القومية الموجودة.. فهي مجالس للتشريف والتكريم لكبار المسئولين الذين يخرجون من الوزارة ولا حول لها ولا قوة.. والبقاء لله في وفاة التخطيط في مصر. ولنا أن نسأل: ماذا يعني إنشاء وزارة جديدة تحمل اسم التنمية الاقتصادية.. وهناك وزارة الصناعة والتجارة الداخلية والخارجية وكان زمان توجد وزارة اسمها وزارة الاقتصاد وتم الغاؤها ودفنت منذ زمن.. أي تنمية اقتصادية وهناك وزارات تقوم بهذه المهمة في الصناعة والتجارة والزراعة والادارة والسياحة فهل يعني اننا في يوم من الأيام ستقام وزارات جديدة للتنمية الصناعية والزراعية والسياحة إلي آخره. اعتقد بل أجزم بأن هدم فوضي وعشوائية وتجارب ثبتت فشلها فشلا ذريعا. كل هذا يحدث بسبب سوء التخطيط واللامنهجية في كل تصرفاتنا.. انني اختلف مع الآراء التي تصنف وزارة التخطيط بأنها وزارة هامشية شأنها شأن وزارات التنمية الإدارية والإنتاج الحربي. وزارة التخطيط يجب أن تبقي وزارة لها شخصيتها المستقلة ولكنها تحتاج إلي وزير قوي يتسم بالكفاءة والعقلية المنفتحة علي كل الاتجاهات.. رجل يحمل فكرا متقدما يؤمن بأهمية ودور التخطيط. إنني أهيب بالدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء بأن يبقي علي وزارة التخطيط وابحثوا عن وزير يجعل من تخطيط التجربة المصرية شخصية مميزة وفريدة ويستطيع أن يفتح أبوابا جديدة في كل المجالات.. فإن لم تجده بين معارفك من رواد القرية الذكية فيمكن نشر إعلان بالصحف وأنا واثق بأنه سيتقدم آلاف بطلبات من أبناء مصر الاكفاء. لا تدفنوا وزارة التخطيط بجوار الاقتصاد والتموين ووزارات أخري ماتت أو قضي عليها بفعل فاعل.. لأن الشعب المصري يحلم بغد أفضل وتخطيط يتسم بالمصداقية والشفافية لأنه مازال في العمر بقية!!