استضافت قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية عدداً من المتحدثين الذين تخصصوا في توجيه الهجوم إلي النظامين السعودي والمصري بسبب مواقفهما من العدوان الإسرائيلي الأخير ضد حزب الله في لبنان..! وارتفع صوت "الجزيرة" عالياً مندداً بالعرب جميعاً ومديناً تقاعسهم عن نجدة لبنان والتحرك لإنقاذها من إسرائيل. وسخر كل من تحدث من جيوش وأسلحة العرب وقدراتهم وخيبة الأمل فيهم..! وتناول النقد الجميع الذين باعوا القضية خدمة لمصالحهم الشخصية وللبقاء علي عروشهم..! ولكن "الجزيرة" لم توجه انتقادا واحدا بالطبع إلي دولة قطر وحيث توجد علي بعد خطوات من قناة "الجزيرة" قاعدة "العيديد" الأمريكية والتي نقلت الطائرات الأمريكية منها القنابل الذكية التي استخدمتها الطائرات الإسرائيلية في ضربها لمواقع حزب الله..! وهو موقف لم يكن غريباً فمساحة الحرية هائلة أمام "الجزيرة" لتقول كل ما تريد، ضد الحكام العرب ولكن عليها بالصمت التام عندما يتعلق الأمر بقطر ومواقفها وسياساتها فهي الدولة التي تستضيف القناة وتقوم بالإنفاق عليها وتمويلها لخدمة الدور القطري الذي لم يظهر إلي الساحة السياسية العربية والعالمية إلا مع وجود "الجزيرة" وتصاعد الاحتجاجات الرسمية العربية ضد توجهاتها..! وفي الأزمة الأخيرة فإن أحداً لا يستطيع أن يفهم ما الذي تريده "الجزيرة" من وراء تغطيتها للأحداث بهذا الشكل التحريضي للمواطن العربي.. هل هي تريد فعلا استنهاض الهمم لمساعدة الشعبين اللبناني والفلسطيني؟ أم هل تريد إظهار عجز القادة العرب وضعف حيلتهم ودفع الشعوب العربية إلي التخلص منهم والتعجيل برحيلهم..! "فالجزيرة" ومن فيها من مراسلين ومحللين ومعلقين ومقدمي برامج علي علم وقناعة بأن المواجهة العربية الإسرائيلية في هذه المرحلة هي نوع من المغامرة غير المحسوبة والدمار الشامل علي العرب في ظل الانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل وفي ظل حالة التربص بالعرب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والبحث عن أي مبرر أو ذريعة لتحطيم ما بقي منهم..! والكل يعلم أيضاً أن الحرب الحالية ليست حرباً بالمعني المعروف بين دول متحاربة حتي يمكن أن يكون هناك حديث عن الحرب وإنما هي عدوان إسرائيلي ضد جماعة حزب الله بتخطيط أمريكي لتوجيه ضربة لإيران ومحورها عبر لبنان يتبعها إعادة رسم خارطة المنطقة وكتابة صياغة جديدة لها، فهي حرب تؤديها إسرائيل بالوكالة عن أمريكا.. ويدخلها حزب الله بالوكالة عن إيران وسوريا بالتبعية..! ولا يمكن أمام هذا السيناريو أن تنزلق مصر ومعها السعودية إلي الفخ المنصوب لتندفعا في اتجاه حماسي تصعيدي يساهم في تحقيق أبعاد وأهداف هذا السيناريو الجديد لرسم خارطة الشرق الأوسط بأيديهما، والسياسة التي اتبعتها الدولتان هي الأفضل والأعقل والأكثر حكمة ورؤية للموقف..! ومن هنا فإن الاحتمال الآخر هو أن القناة الفضائية القطرية "الجزيرة" إنما تهدف فقط إلي ابتزاز الحكام العرب وإضعاف صورتهم لدي الرأي العام وتأليبه ضدهم بشكل يجعل الشارع العربي في حالة من الغضب والهياج المستمر ويحجم بشكل كامل من دورهم الخارجي خاصة ما يتعلق بالسعودية التي تنال النصيب الأكبر من الانتقادات في الأزمة الأخيرة والتي تدفع ثمن اختلافات في المواقف والسياسة مع قطر وحيث جاء العدوان الإسرائيلي فرصة ل "الجزيرة" لتجعل من السعودية الهدف الأول في حملتها ضد الدول العربية..! وسيكون من غير الانصاف تحميل الحكومة القطرية مسئولية كاملة تجاه سياسات "الجزيرة" وطريقة معالجتها للقضايا العربية إذ إن الواقع أن "الجزيرة" فرضت علي قطر فرضا في البداية بكل هذه الكوادر الفنية الإعلامية الموجودة فيها، ولم تكن علي علم كامل بتوجهاتهم واتجاهاتهم ونوعية تدريبهم الإعلامي والسياسي..! فمعظم الكوادر الإعلامية التي تضمها هذه القناة التليفزيونية هي بقايا تيارات أيديولوجية معارضة للأنظمة العربية وتحمل موروثا هائلا من العداء لها وتعتبر أن معركتها الحقيقية هي مع هذه الأنظمة التي تصفها دائما بأنها معادية لشعوبها ولأحلام وتطلعات الأمة العربية..! ولذلك وفي كل قضية تتعلق بالعالم العربي فإن "الجزيرة" تترك القضية الأساسية لتتحول بالهجوم والجلد ضد الزعماء والقادة العرب وتحملهم دائما المسئولية.. وقد حدث ذلك في التغطية التليفزيونية لحرب أفغانستان وتكرر مع حرب إسقاط صدام حسين وغزو العراق وهو ما يحدث الآن مع عدوان إسرائيل علي لبنان، مرورا بالأحداث العديدة التي جرت في العالم العربي منذ احتلال أمريكا للعراق والحديث عن الديمقراطية والإصلاح في العالم العربي..!د وهذه الكوادر التي مازالت تؤمن بجبهة الصمود والتحدي لم تفتقد بالطبع خلال سنوات بث "الجزيرة" الموقف السوري ولا السياسات السورية، ولم تشر من قريب أو بعيد إلي موقف سوريا في الأزمة الأخيرة وهو موقف اتسم بالمزايدة في الاجتماعات العربية والصمت والتهرب علي أرض الواقع وفي ميدان المعارك..! إن التغطية الاخبارية ل "الجزيرة" قد تكون جيدة وقد تكون علي مستوي متميز من الحرفية ومتابعة الخبر ولكنها تبقي دائماً تغطية مثيرة للتساؤلات ولا تتسم بالبراءة أو الموضوعية..! [email protected]