في قصته القصيرة وصف احسان عبدالقدوس سيرة الشابة صفاء بين الشاب المتدين والشاب المتحرر واضعا لها عنوان "فوق الحلال والحرام" وكأنه يصف المجتمع بجملته وليس حالة فردية أو شخصية أو حتي "قصة خيالية". والواقع أن ما كتبه قبل عدة سنوات ذلك العبقري احسان عبدالقدوس لم يكن خيال روائي وإنما هي أفكار فيلسوف اكتسبت ثوبا بسيطا يقربها فكرة ومعني إلي أبسط الناس. وما يحدث في المجتمع المصري الاَن من انقسام فكري واستقطاب حاد علي المستوي الفكري والاجتماعي والسياسي ليس عيبا بحال من الأحوال ولكن العيب هو أننا نرفض الاتفاق علي قواعد اللعبة. وقواعد اللعبة تعني الوصول إلي تحديد حدود الملعب وقوانين اللعبة ثم نترك التفاصيل بعد ذلك لمهارات وقدرة كل لاعب. لذلك عجبت أشد العجب ونحن نتحدث الاَن عن استعدادات لتعديلات أو تغييرات دستورية أو سمها ما شئت، إن المجتمع بكليته متفرغ لمناقشة تفاصيل صغيرة ومنهمك في الخلاف الحاد حولها، غير منتبه إلي خطورة وأهمية ما نحن مقدمون عليه. الدستور يعني تحديد غايات وأهداف وحدود حركة المجتمع، اتجاهاته واشخاصه، وما يجوز ومالا يجوز. رغم ذلك لم أجد في الجرائد أو وسائل الاعلام أو في مجلس الشعب أية مناقشات "موسعة"، وهكذا يجب أن تكون المناقشات حول تلك النقاط حيث يناقش بعضنا البعض بصراحة ووضوح في كل المواد محل الخلاف في المجتمع بداية من المادة الثانية من الدستور والتي تناقش الشريعة باعتبارها مصدرا اساسيا من مصادر التشريع، رغم حساسية الموضوع، ودون أن يغضب هذا أو ذاك حتي نحدد شكل الدولة ومصدر قوانينها الحاكمة، وانتهاء بكل المواد الخاصة بصلاحيات وسلطات رئيس الجمهورية. والغريب أن من يدفع هذا النقاش ويريده متفاعلا حيويا هو الرئيس مبارك بينما من يريد تحوير وتدوير الموضوعات والأهداف هم من يريدون أن يشدوا المجتمع إلي الوراء. لقد تم توزيع استمارات استبيان علي نواب الشعب في البرلمان لاستيضاح وجهات نظرهم في التعديلات المقترحة والمطلوبة، وفي تصوري أن الغرض والمراد ألا يقتصر الأمر علي وجهات نظرهم الشخصية فقط، ولكن عليهم أن يعودوا إلي من انتخبوهم ليطرحوا عليهم هذه الأفكار وما يدور حولها، وبالتالي يكونون جسر اتصال بين الناس وصانع القرار، ومع ذلك لم اسمع أو أعرف أو تنامي إلي علمي أن هناك مناقشات أو اجتماعات عقدت حول هذا الموضوع سواء من الحزب الوطني، أو المعارضة أو المستقلين داخل المجلس، والذين يوصفون خارجه بالجماعة المحظورة "أي الاخوان المسلمين" وهي حالة وصفها الدكتور فتحي سرور "بالشيزوفرينيا القانونية" في حواره معي علي قناة الصفوة بتليفزيون الأوربت. وبفرض أن هذه الاجتماعات قد عقدت ونحن كاعلاميين لم نسمع أو ندري بها فإنها تكون قد فقدت الغرض منها وتحولت إلي مجموعات مغلقة.. ومرة أخري كل منها يردد صدي صوته ولا يبحث عن قواسم مشتركة بينه وبين الاَخر، فقط يريد استمرار حالة الاستقطاب وتقسيم المجتمع إلي حلال وحرام.. ورحم الله كاتبنا الكبير احسان عبد القدوس عندما كتب قصته الشهيرة "فوق الحلال والحرام".. فهل من يفهم؟!