في عام 1997 كانت شركة البريد الايطالية "بوست إيتالياني" نموذجا مصغرا للكسل الحكومي فقد خسرت الشركة في ذلك العام 441 مليون دولار وكان نظام البريد الايطالي اقل الانظمة الاوروبية كفاءة فهو يتميز بخطوطه الطويلة وموظفيه ذوي الوجوه المكفهرة وتأخره في التسليم.. ويقول اوجو اريجو استاذ المالية العامة في جامعة ميلانو انك عندما كنت ترسل لاحد خطابا لم تكن تعرف متي يمكن ان يصل.. اما الان فقد اصبحت شركة البريد الايطالية شيئا مختلفا تماما. وتقول مجلة "فورتشن" ان الشركة التي لاتزال تعمل كاحتكار للدولة تضم 150 الف موظف ولها 14 الف مكتب منتشرة في كل اتحاد ايطاليا بما في ذلك المناطق والقري النائية والصغيرة التي لا يقطن في بعضها احيانا سوي 260 نسمة معظمهم من ارباب المعاشات مثل قرية "برسيل" شمال شرق روما وهي قرية لا يوجد فيها بنك ولا سوبر ماركت ولكن فيها مكتب بريد نشيط. وقد صارت شركة البريد الايطالية تبيع للناس كل شيء من خطط الاستثمار والخدمات المصرفية وحتي المكانس الكهربائية.. وقد كان تنويع النشاط هو كلمة السر التي حولت اصول الشركة وبنيتها الاساسية الي اصول رابحة.. وفي العام الماضي لم تمثل خدمات البريد سوي اقل من ثلث ايرادات شركة البريد الايطالية وهي ايرادات نمت بنسبة 14% في عام 2004 لتصبح 21 مليار دولار كما ان ارباحها قفزت هي الاخري 19% لتصبح 446 مليون دولار في العام نفسه.. ويقول ماسيمو سارمي الرئيس التنفيذي الحالي لشركة البريد الايطالية ان 15% من ايرادات شركته تأتي من انشطة لم تكن موجودة بالشركة منذ 3 سنوات فقط. وهذه النقلة التي حدثت في احوال "بوست ايتالياني" بدأت في عهد كورادو باسيرا الرئيس التنفيذي السابق للشركة الذي استثمر الكثير في البنية الاساسية وتفاهم مع نقابات العمال علي خفض التكاليف وتقليل عدد العاملين وقاد الشركة للدخول في تقديم الخدمات المصرفية للناس واستطاع في خمس سنوات فقط ان يوقف خسائر الشركة ويحولها الي شركة رابحة ولكنها كانت ارباحا صغيرة جدا. وفي عام 2002 تقاعد باسيرا مسلما زمام القيادة الي سارمي الذي استمر في دعم وتوسيع ما تقدمه شركة البريد من خدمات مصرفية. ففي القري البعيدة عادة ما تكون مكاتب البريد هي المصدر الوحيد الذي يقدم للناس القروض والحسابات المصرفية وبوالص التأمين علي الحياة. وفي العام الماضي استثمر سارمي 756 مليون دولار في ادخال التكنولوجيا الي مكاتب البريد لتكون اطلالة من الشركة علي المستقبل.. وقد اصبحت الوصلات عريضة النطاق تربط حاليا نحو 7800 مكتب بريد اي اكثر من نصف المكاتب اما الباقي فيبدو من خلال وسائط عالية السرعة.. وتشرف حجرة التحكم المركزية في روما الان علي 20 مليون عملية تحويل تجاري في اليوم الواحد تشمل ايضا عملية شبكة الصارف الآلي. وتقول مجلة "فورتشن" ان الاستثمارات ادخلت الي شركة البريد الايطالية خدمات جديدة مثل خدمة البريد الالكتروني المعتمد وقد اصبحت النسخة الايطالية من برنامج مايكروسوفت وورد تحتوي علي زر في شريط الادوات لارسال الملفات الي شركة البريد الايطالية عبر الانترنت لتتولي هي طبعها وارسالها الي وجهتها.. وفي مايو الماضي استخدمت شبكة الشركة في ارسال طلبات نصف مليون مهاجر خلال ساعتين فقط. وقد ادخل سارمي الي الشركة تجارة التجزئة حيث يباع كل شيء من كتب الاطفال حتي الكاميرات الالكترونية واجهزة التليفزيون ذات الشاشة المسطحة والادوات الرياضية.. ويقول الرجل ان "بوست ايتالياني" ستكون جاهزة للخصخصة مع نهاية العام الحالي وان قيمتها السوقية آنئذ لن تقل عن 13 مليار دولار.. ويعد خصخصة الشركة هدفا مهما للحكومة الجديدة في ايطاليا بعد ان اسفرت خصخصة البريد في هولندا والمانيا عن نتائج طيبة حيث زادت الايرادات وتحسن مستوي الاداء في الحالتين.. ولكن ليس واضحا حتي الان ما اذا كانت حكومة يسار الوسط ستبيع الشركة كلها ام جزءا منها.. وهناك من يدعو الي خصخصة الجزء المصرفي من "بوست ايتالياني" باعتباره الجزء الاكثر جاذبية لانه الاكثر ربحية ولكن سارمي يعارض هذه الاتجاه بشدة ويري ان انشطة الشركة كلها انشطة متكاملة ويساعد بعضها بعضا. ومع ذلك فان هناك من ينتقد سارمي حيث يقول ان نجاحه جاء علي حساب المهمة الاساسية لشركة البريد خصوصا ان قسم الخدمات البريدية في الشركة قد خسر 924 مليون دولار في العام الماضي وتلقي دعما حكوميا بلغ 472 مليون دولار ولكن سارمي يرجع ذلك الي انه تنفيذ لاوامر حكومية. وتجدر الاشارة الي ان سوق الخدمات البريدية الاوروبية سيدخل عصر المنافسة اعتبارا من عام 2009 وان علي بوست ايتالياني ان تستعد لهذه اللحظة خصوصا انها رغم ما احرزته من تقدم لاتزال اقل كفاءة من نظائرها في أوروبا وأمريكا.