د. هالة السعيد المدير التنفيذي للمعهد المصرفي المصري التابع للبنك المركزي وضعت أيدينا قبل أيام علي مشكلة مزمنة يعاني منها القطاع المصرفي في مصر وهي مشكلة الممارسات الاحتكارية، حيث راحت تطالب بأهمية تفعيل قانون المنافسة ومنع الاحتكار وحماية السوق المصري من أية ممارسات قد تضر به. كلام د. هالة السعيد جاء في سياق دراسة عرضتها الأسبوع الماضي علي مديري إدارات التدريب بالبنوك خلال مؤتمرهم السنوي العاشر وحملت اسم "قضايا اندماج البنوك.. الدوافع والآثار". وعلي الرغم من أن المديرة التنفيذية للمعهد المصرفي لم تتطرق بالتفصيل لمشكلة الممارسات الاحتكارية داخل القطاع المصرفي، مكتفية بالقول بأن البنوك العامة تستحوذ علي أكثر من 30% من قاعدة الودائع، إلا أن الواقع يشير إلي وجود مثل هذه الممارسات، وعلي سبيل المثال فان البنوك العامة سواء التجارية أو العامة تستحوذ علي أكثر من 50% من النشاط المصرفي سواء علي مستوي الودائع أو القروض وهو ما يعد صورة من صور الممارسات الاحتكارية التي تحفز زيادة هذه النسبة عن 30%. وعلي الرغم من زيادة حصة الأجانب والقطاع الخاص المصري داخل القطاع المصرفي المصري، إلا أن الواقع يشير إلي استحواذ البنوك التابعة للدولة علي النسبة الأكبر من النشاط المصرفي. ويأتي في مقدمتها هذه البنوك: البنوك التجارية العامة الكبري وهي الأهلي المصري ومصر والقاهرةوالإسكندرية.. وهذه البنوك تمتلك شبكة واسعة من العملاء والفروع المنتشرة داخل كل محافظات الجمهورية بما فيها المناطق النائية. ويتكرر الموقف مع البنوك العامة المتخصصة، وعلي سبيل المثال فان البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي يحتكر قطاعا كبيرا من العملاء والفلاحين والزراع، وقد يتكرر الموقف ولكن بصورة أقل مع بنك التنمية الصناعية المصري والبنك العقاري المصري العربي، والبنك الأخير يسعي لدعم تواجده في مجال التمويل العقاري عبر استحواذه علي بنك التعمير والإسكان وهو من البنوك التي لديها استثمارات ضخمة في هذا المجال. صور الاحتكار وتتضح الممارسات الاحتكارية للبنوك العامة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار تواجد البنوك التي تساهم الدولة في جزء كبير من رأسمالها، وعلي سبيل المثال فان البنك المصري لتنمية الصادرات الذي تسيطر الحكومة علي 75% من أسهمه لايزال اللاعب الأبرز في مجاله، كما أن المصرف الإسلامي للاستثمار والتنمية الذي تسيطر الحكومة علي 80% من أسهمه لايزال يجتذب عدداً لا بأس به من العملاء الذين يفضلون الصيغة الإسلامية في التعامل. علاج الأزمة ويبدو أن البنك المركزي استشعر هذا المأزق الناجم عن احتكار البنوك العامة لأكثر من 50% من الأنشطة المصرفية، ولذا راح يدعم السياسات التي من شأنها التغلب علي هذا الوضع الشاذ، ومن بين هذه السياسات: * تقليص عدد البنوك التجارية العامة من خلال إجراء عمليات دمج كما حدث حينما تقرر دمج بنك القاهرة في بنك مصر. * بيع بنك الإسكندرية وهو أول بنك عام يجري خصخصته وطرحه للقطاع الخاص، وقد يعقب هذه الخطوة طرح بنوك عامة أخري. * تقليص عدد البنوك المتخصصة، وفي هذا الإطار سيتم دمج البنك العقاري المصري العربي في بنك التعمير والإسكان وربما يبيع الكيان الجديد في وقت لاحق. وقد يجري كذلك دمج بنك التنمية الصناعية المصري في أحد البنوك العامة الكبري، وهذا أمر مطروح وبشكل قوي كما قال لي أحد كبار المسئولين عن السياسة الاقتصادية بالدولة. وقد تستغرق هذه الخطوات سنوات، وهو ما يمثل تحدياً أمام الأجهزة المسئولة بالدولة وعلي رأسها البنك المركزي المصري وجهاز تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار الذي تشرف عليه المصرفية المعروفة مني ياسين نائب رئيس بنك القاهرة سابقاً وعضو مجلس إدارة بنكي مصر والقاهرة حالياً. الحالة المصرية وعودة إلي دراسة د. هالة السعيد التي تطرقت فيها الي الحالة المصرية في عملية دمج البنوك والإطار القانوني لها وهيكل القطاع المصرفي بعد اتمام عمليات الدمج الأخيرة، فعلي مستوي الحالة المصرية تقول إن عمليات الدمج ليست وليدة اللحظة فقد شهد القطاع المصرفي المصري عدة اندماجات منذ فترة الستينيات من القرن الماضي وإن كانت معظم هذه الحالات قد تمت بشكل قسري أي دمج إجباري وليس اختياريا. وتضرب مثالاً بحالات الدمج التي تمت بالآتي: * دمج 15 بنكاً من بنوك التنمية الوطنية بالمحافظات مع البنك الوطني للتنمية الرئيسي بالقاهرة. * دمج اجباري لبنك الاعتماد والتجارة "مصر" مع بنك مصر لاحتواء الأزمة التي نتجت عن افلاس بنك الاعتماد والتجارة الدولي وحماية ودائع العملاء وعدم اهتزاز الثقة في الجهاز المصرفي المصري. * دمج البنك العقاري المصري في البنك العقاري العربي.