استعراض العضلات بين إيران والغرب الأوروبي والأمريكي مازال متصلاً حول برنامج ايران النووي. الغرب يواصل الضغوط والتهديد تحت دعوي أن ايران تخرج علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة الذرية، وايران تتمسك بحقها في أن تكون لديها طاقة نووية لاستثمارها في أغراض سلمية. وبين اصرار ايران علي أن تكون لديها مفاعلاتها الذرية الخاصة، واصرار أمريكا والغرب الأوروبي علي ضرورة وقف عمليات تخصيب اليورانيوم التي تقوم بها ايران في مفاعلها النووي في بوشهر لأن ذلك يقودها إلي انتاج أسلحة نووية تتصاعد حرب الانذارات والتهديدات خاصة بعد ان قررت الدول الغربية طرح الملف الايراني علي مجلس الأمن. أما ايران فقد قررت من ناحيتها مواصلة تخصيب اليورانيوم ووقف التعامل مع المنظمة الدولية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل والغاء برامجها الخاصة بالتفتيش المفاجئ. وقد حاولت وتحاول روسيا التي قامت بإنشاء وبناء القاعدة النووية الايرانية في بوشهر أن تلعب دور الوسيط بين الطرفين وعدم تصعيد الأزمة مرة بإقتراح ان تقوم روسيا بتخصيب اليورانيوم لصالح إيران ومرة بالتهديد باستخدام الفيتو في مجلس الأمن في حالة اصدار قرارات بالمقاطعة او توقيع عقوبات اقتصادية ضد ايران أما الصين فقد أعلنت أكثر من مرة انها مع حق ايران في امتلاك طاقة نووية لاستثمارها في أغراض سلمية. بينما يقف بقية دول العالم خاصة العالم الثالث في الجنوب موقف المتفرج وكأن الأمر لا يعني سوي الأطراف المتشابكة مع أن القضية تهمهم بالدرجة الأولي وبإعتبارهم كانوا ومازالوا الطرف الرئيسي الذي يعاني الاستغلال من قبل أعضاء النادي الذري الدولي الذي يسعي إلي احتكار ملكية الترسانات النووية لفرض سلطانه وهيمنته واستغلاله. نحن إذن أمام معركة من أهم معارك الحرب الباردة فالغرب الأوروبي والأمريكي يملك مجموعة من أوراق الضغط منها استصدار قرار من مجلس الأمن بفرض حصار أو مقاطعة اقتصادية علي ايران، ومنها ما تفكر فيه أمريكا بضرب وتدمير المفاعلات النووية الايرانية بتحريض ومشاركة من اسرائيل وأوراق أخري تتعلق بالتخريب الداخلي ومساندة المعارضة الايرانية خاصة جماعة مجاهدي خلق. ولكن الحقيقة ان ايران تملك هي الأخري أوراقاً مهمة تلعب بها وعليها ولعل علي رأسها البترول، المصدر الرئيسي للطاقة حتي الآن وايران هي الدولة الثانية في منظمة الأوبك في انتاج وتصدير البترول وأي اجراء عنيف ضدها يعني ارتفاعاً مأساوياً لأسعار البترول العالمي في كل أزمة متفاقمة بالفعل نتيجة الازدياد المضطرد في أسعار البترول وهو الأمر الذي يثير مخاوف كثيراً من الدول الصناعية من تدهور في اقتصادياتها التي تعاني بالفعل من البطالة وتدني معدلات الانتاج. وهناك أيضا اسرائيل التي يمكن ان تصلها الصواريخ الايرانية البعيدة المدي التي تمتلكها ايران بالفعل مع احتمال ان تكون ايران قد توصلت بالفعل إلي تكنولوجيا صناعة القنبلة النووية وانها تملك بعضا منها. ثم هناك الموقف المتفجر في المنطقة في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان والسودان والذي لم يعد يحتمل صراعا ساخنا جديدا. يمكن أن يؤدي إلي نتائج خطيرة منها زيادة الاتجاهات الأصولية العادية للغرب والولاياتالمتحدة بشكل خاص والتي يمكن أن توسع أعمالها الإرهابية داخل هذه البلدان. ولما كان العالم العربي بشكل خاص، ومصر علي وجه الخصوص غير بعيدة جغرافياً ومصلحياً عن الصراع الذي يجري فبالتالي ليس لدينا شرف الفرجة أو المشاهدة من بعيد، فإيران قوة إقليمية لها وزنها في الشرق الأوسط ولها علاقاتها وارتباطاتها بالعالم العربي، وإسرائيل العضو الوحيد في النادي الذري في منطقة الشرق الأوسط والتي تملك أكثر من مائة قنبلة نووية بالفعل ولا أحد يطرح قضيتها. وحتي لا نخطئ الحسابات مثلما فعل البعض في القمة الخليجية الأخيرة حينما أشار مشروع البيان الختامي إلي البرنامج النووي الإيراني ومخاطره مع مطالبه جعل منطقة الخليج خالية من أسلحة الدمار الشامل، ثم جري تعديل لهذه الفقرة في مشروع البيان بعد مذكرة عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية وذلك بالمطالبة بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل وذلك حتي يشمل الأمر إسرائيل. وتلك هي القضية المطروحة، فهل يمكن أن نتحامل علي إيران ونتجاهل إسرائيل التي تملك بالفعل ترسانة نووية، وحينما صاغ المشرعون الغربيون في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل فإن المغزي الحقيقي للمعاهدة كان ومازال استمرار أعضاء النادي الذري في احتكار ملكيتهم لهذه الأسلحة الرهيبة. رغم أن ذلك تم اختراقه حتي بعد التصديق علي المعاهدة عندما فجرت الهند ثم باكستان قنبلتهما النووية، وعندما أعلنت كوريا الشمالية امتلاكها بالفعل لبعض القنابل النووية. وكانت الولاياتالمتحدة التي استخدمت كل وسائل الضغط لكي توقع دول العالم خاصة دول الشرق الأوسط معاهدة حظر انتشار السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل سنة 1995 حتي أنها اتهمت مصر في تلك الأيام بمحاولة تعطيل التوقيع وتحريض بعض الدول العربية لعدم التوقيع حتي توقع إسرائيل نفسها وهو ما لم يحدث. وكان هناك اتجاه قوي في دول العالم الثالث لكي تنص المعاهدة علي ضرورة القضاء علي أسلحة الدمار الشامل ووضع جدول زمني لذلك بدلاً من أن تنحصر المعاهدة في وقف انتشار الأسلحة النووية وعندما رفض هذا الاقتراح تقدمت مصر والهند وعدد من دول العالم الثالث بأن تكون المعاهدة لمدة خمس أو عشر سنوات ثم يعاد مناقشة الأمر بعد ذلك، ولكن الولاياتالمتحدة رفضت أيضاً هذا الاقتراح مع اصرار علي أن تكون المعاهدة أبدية. ومن الطبيعي والأمر كذلك أن يتعاطف الرأي العام خاصة في دول العالم الثالث مع موقف كوريا الشمالية وانتاجها للسلاح النووي، ومع إيران، فلما رحبت شعوب الجنوب بنجاح الهند وباكستان في كسر احتكار النادي الذري لملكية هذه الأسلحة التي تستخدم للابتزاز الغرض السيطرة والهيمنة. إن الموجود في الترسانات النووية في العالم حالياً يكفي لتدمير العالم أكثر من عشر مرات، ويعتقد أصحاب فكرة تعدد المنابر النووية، ان امتلاك عدد من دول العالم الثالث للأسلحة النووية بكسر احتكار أعضاء النادي الذري بل ربما يمثل من الناحية العملية رادعاً أكبر ضد استخدام تلك الأسلحة الرهيبة. وربما كان ذلك أيضاً مقدمة طبيعية للانتقال من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية إلي معاهدة أخري لتدمير جميع الأسلحة النووية الموجودة بالفعل.