حين رأيتها اول مرة، ايقنت ان صديقي الاستاذ الدكتورشريف بسيوني قد تلقي اعتذارا من القدر علي ايام كثيفة الشراسة، فاختارت له السماء هذه الانسانة الراقية كزوجة وصديقة عمر ووليفة ايام. ومن يعرف شريف بسيوني كما اعرفه، يمكنه ان يري كيف كان "ابن الذوات" اسير عشق الحركة الوطنية، وكيف كان صاحب الاطيان، مغرم صبابة بفكرة العدالة القائمة علي الحرية. حدثني كثيرا عن كراهيته لهتلر ايام طفولته، ولم انتبه إلي ما يحكيه عن ذلك الرجل، لاني لا اعرف هتلر، ولكني اعرف مرارة ان تكون عربيا من مصر في زمن نكسة ،1967 واعلم مرارة ان كون عربيا وسط قوم يقذفون ساستك بالطوب بينما يقذفون الراقصات في شارع الهرم بالدولارات، واعلم مرارة ان تعيش وسط منطقة تنطلق منها شعارات اكبر من قدراتها وان دعوتهم لرصد الامكانات من اجل خطوات اولية او مبدئية من اجل تطبيق شعار واحد، تجد اصحاب الاصوات العالية وقد تسربوا من جلستك الواحد بعد الآخر، ولن تعثر لاي منهم عن اثر او وجود. هكذا كانت رحلة شريف بسيوني بعد خروجه من مصر في عام ،1963 واستطاع ان يبني مستقبله العلمي كأستاذ موهوب مرموق في نقطة صغيرة فاصلة بين اتجاهين في القانون، اولهما القانون الجنائي، وثانيهما القانون الدولي، وجمع بين دراسة الاثنين، وقام بتأسيس معهد في سيراكوزا تابع للجمعية الدولية للقانون الجنائي، وبذلك جمع الاتجاهين ليصير من الممكن محاكمة اي دولة علي جرائمها، مثلما يحاكم الافراد، وكان هذا حلما صعب المنال. كان لابد لشريف بسيوني من وليفة تضيء ايام القحط حيث تبرز للسياسة انياب ومخالب تغوص مرة في اللحم الفلسطيني وتغوص ثانية في اللحم المسلم او الارثوذكسي في سراييفو، وكانت نينا بسيوني السيدة التي اختارها قلبه، فهي إيطالية الجذور، وهي من الطبقة المثقفة التي لم تضع انسانيتها في ماكينة فرم البشر، وهي الماكينة الأمريكية التي تدهس الجميع، فتحولهم إلي عجين ينحني بالطاعة، علي الرغم من الصراخ اليومي بالحرية. وحين نعلم ان هوايتها هي الموسيقي الكلاسيكية، ورؤية الأوبرا، وفي نفس الوقت مساعدة الضعاف علي ان يتعلموا ما يصونون به كرامتهم، حين نعلم ذلك نستطيع ان نري الجسر الذي سارت عليه قصة الحب بينها وبين شريف بسيوني. وحين قام زوجها بدوره كمحقق في قضايا التعذيب والاغتصاب في يوغسلافيا السابقة كانت هي السند الذي منع الزوج العالم من ان تتحول ازمته القلبية إلي ازمة مميتة بعد ان شهد مصرع الضمير البشري بين فكي التعصب الاعمي. وحين زارت مع الزوج اراضي فلسطينالمحتلة وقفت تلوم بشدة الجنود الذين يقومون بالتفرقة العنصرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لانها تري الجميع من فصيل واحد هو فصيل الانسان، لا فصيل الاعلي وفصيل الادني. وفوجئت انا كاتب هذه السطور بتليفون من شريف بسيوني يخبرني انها تعاني من المرض الصعب، وتقاومه ببسالة. ووجدت قلبي يبتهل إلي السماء داعيا لها بالشفاء، بل زرت السيدة نفسية وسانت تريز توسلا ان تصون هذه السيدة لانها نموذج نادر يحترم الانسان أيا كان ومهما كانت ظروفه، وتقاوم كل ما يمكن ان يقهر البشر. ادعو معي لسيدة ليست مشهورة مثل زوجها اللامع في سماء القانون الانساني والدولي وحقوق الانسان، ولكنها اولا واخيرا لاتنطق بكلمة واحدة يمكن ان تجرح احدا، وتنظر إلي الجنس البشري راجية اياه ان يقدم لنفسه الاحترام بألا يعتدي احد علي غيره، ولكن يبدو ان الجنس البشري لا يجد وقتا لاحترام نفسه، ولذلك وهن منها الصوت، وتسلل اليها المرض، ولكن ذلك لن يجعلني اكف عن الدعاء لها، فهي نموذج محترم من البشر.