رغم إشادة الرئيس العراقي جلال الطالباني بأمين عام الجامعة العربية عمرو موسي وبكارزميته التي من شأنها أن تضمن حصول تأييد إقليمي ودولي للمبادرة التي حملها والتي توجه من أجلها إلي العراق في العشرين من أكتوبر الماضي إلا أنه لا ينتظر أن تسفر هذه المبادرة عن أية نتائج تذكر وبالتالي لا يتوقع نجاح مؤتمر المصالحة الذي تدعو المبادرة إلي عقده ولا يتوقع له فيما لو عقد بنهاية نوفمبر الحالي أن يسهم في تهدئة الأوضاع أو ينهي ما وصفه الطالباني بالتشنجات أو أن يتم في إطاره الوصول إلي حل سياسي متوافق عليه. تعددية التجزئة الصورة الحالية في العراق تتوزع بين أطراف ثلاثة.. فريق يري أن البديل والحل يكمن في ولاية الفقيه والارتماء في أحضان إيران، وفريق يرتكز علي الاحتلال من أجل تحقيق طموحات قديمة تتمثل في إقامة دولة كردية في الشمال، وفريق علماني يرتبط أساساً بقاعدة المصالح الأمريكية وتظل مجموعة السنة الاستثناء الذي تم تهميشه وبالتالي لم يدرج بين هذه الأطراف الثلاثة، أما المحصلة في النهاية فلا تعدو إلا أن تكون تعددية التجزئة والانقسام الطائفي. مهمة أمريكية! وفضلاً عن أن مهمة موسي قد جاءت متأخرة إلا أنه ذهب في النهاية وتحمل الأخطار وسط التهديدات التي عكستها حالة الفوضي والانفلات الأمني في العراق، كان المشهد أقرب ما يكون إلي فيلم سينمائي قام الأمريكيون فيه بجهد كبير تمثل في السيارات والمدرعات والطائرات والمناطيد التي أحاطت بموكب الأمين العام للجامعة، ولا غرابة فلقد كانت أمريكا وراء تحريك هذه المهمة التي أملتها، ومن ثم جاء اجتماع عمرو موسي في القاهرة مع جيمي جيفري مسئول ملف العراق في الخارجية الأمريكية والوفد المرافق له في الثاني من الشهر الماضي حيث تم بحث تطورات الأوضاع علي الساحة العراقية واتفق الطرفان علي استمرار الحوار بينهما، وأثمر اللقاء عن مبادرة قدمها الوفد الأمريكي وتطالب بدخول العرب علي الخط في قضية العراق، جري هذا قبل أن يتوجه عمرو موسي إلي جدة في نفس اليوم للمشاركة في الاجتماع الوزاري الأول للجنة العراق، وفي جدة تم الاتفاق علي تفعيل المبادرة من خلال زيارة يقوم بها عمرو موسي إلي العراق ويلتقي خلالها بكل الأطياف في مسعي أسماه المصالحة وآثر إبراهيم الجعفري أن يطلق عليه الوفاق. مبادرة لإنقاذ أمريكا..! وهكذا فان كل ما فعلته الجامعة العربية أكد منذ البداية أن تحركها لم ينبع من داخلها وإنما كان بضغوط خارجية أملت عليها من قبل الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي والقبول بتمثيله كعضو عامل في الجامعة رغم عدم شرعيته علي أساس أن الاحتلال هو الذي جاء به، واليوم عاد الاحتلال ليملي المبادرة غير المفهومة علي الجامعة لإنقاذ إدارة بوش من المأزق الذي وقعت فيه في أرض الرشيد. شكوك مثارة دور جديد اضطلع به عمرو موسي ولا أعرف السبب في تحركه الآن وسعيه إلي رأب الصدع بين الأطياف في العراق والحيلولة دون تقسيم العراق رغم أنه دخل في دائرة التقسيم الفعلي بعد طرح الدستور واجازته.. ومن ثم تكون المبادرة ساقطة ولا حاجة للعراق إليها اللهم إلا إذا كان السعي يقتصر علي الشكل والواجهة دون الاقتراب من المضمون، عمرو موسي حمل مبادرته وحاول التدخل في العراق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وغاب عنه أن مبادرته قد خرجت علي النص بعد أن بات العراق تحت الوصاية الأمريكية وتم تدويل قضاياه فلم يعد هناك مكان لقدم عربية، لهذا أثارت المبادرة الكثير من الأقاويل ونثرت الشكوك في أن يكون التوجه هو من أجل إكساب الاحتلال الشرعية ومنحه غطاء عربياً!! لماذا التحرك الآن؟ ويرد التساؤل لماذا ظهر حرص الجامعة العربية الآن فقط علي التدخل والسعي بين الفرقاء للوفاق والمصالحة والاتفاق؟ لماذا تركت الساحة تعاني من فراغ الوجود العربي كل هذا الوقت؟ وعلام إذا كانت حريصة كل هذا الحرص علي إنقاذ العراق من محنته بعد الاحتلال علام لم تمنع المحظور ولم تتدخل منذ البداية لمنع الاحتلال من تنفيذ جرائمه؟! لا يمكن أن يكون الفصل الأول من المسرحية هو إعداد الأرضية من خلال صمت عربي مطبق علي عملية احتلال العراق وهو صمت كان أشبه ما يكون بموت سريري يتم أثناؤه غزو العراق وتدميره وقتل مواطنيه ثم يأتي الفصل الأخير والمتمثل في محاولة إنقاذه بعد فوات الأوان!! الهدف من المبادرة.. ويرد التساؤل ما الهدف من جمع السنة والشيعة والأكراد في إطار عراق سماه عمرو موسي بعراق جديد رغم أنه مازال تحت الاحتلال؟ ولا أدري أين هي الجدة اللهم إلا إذا كان الاحتلال الذي لم يتطرق إليه أحد هو الذي رسخ صفة الجديد هذه وكأن عمرو موسي أراد أن يسعي للوفاق بين من استساغوا العيش والتعايش مع الاحتلال؟! ولعل هذا يؤكد أن عمرو موسي ما كان ليذهب إلي العراق إلا بضوء أخضر أمريكي وبمباركة إدارة بوش لطرح ما أسماه بمبادرة المصالحة والتي يمكن معها إحلال قوات عربية تكون ظهيراً وحامية للقوات الأمريكية التي لاتريد التمركز داخل المدن العراقية وإنما تتطلع إلي التمركز خارجها من خلال قواعد عسكرية دائمة..