لم يكن البابا شنودة رجل دين عادي بل شخصية وطنية شعبية اجتمع علي حبه جميع المصريين مسلمين ومسيحيين بسبب مواقفه الوطنية التي تؤثر مصلحة الوطن علي أي شيء سواه أما علي المستوي الشخصي كان شاعراً وكاتباً له العديد من الدواوين والأشعار وله علاقة وطيدة بمثقفي مصر وكتابها . وفي السطور التالية نعرض لوقع خبر رحيله عليهم وعلاقة كل منهم بقداسته. يقول الكاتب صلاح عيسي لاشك أن البابا شنودة أحد أهم وأبرز الشخصيات وأكثرها تأثيرا في تاريخ مصر خلال القرن العشرين فضلا عن انه أبرز البطاركة في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية منذ نشأتها حتي الآن حيث تولي منصبه في مرحلة عواصف وتقلبات فيما يتعلق بالعلاقة بين المسيحيين والمسلمين في مصر واتسم بدرجة كبيرة من الارادة الصلبة وقوة الشخصية والشكيمة واستطاع أن ينجح في هذا المناخ المليء بالعواصف السياسية والاجتماعية وحافظ علي الأساسيات المتعلقة بحماية فكرة الوحدة الوطنية وفي نفس الوقت كان يتسم بقدر من المرونة والمقدرة علي التقدم والتراجع وفق طبيعة الظروف التي تمر به . كما تمتعت شخصيته بقبول شعبي عام وهذا يرجع لوطنيته وحرصه علي كرامة المنصب الذي يشغله والتمسك بانتمائه لهذا الوطن . كما كان مجمع مواهب شخصية كثيرة في الكتابة سواء في الشئون الدينية أو الشعر أوالعمل بالصحافة ويتمتع ايضا بسرعة البديهة وخفة الظل . ويضيف عيسي : أننا فقدنا شخصية مهمة جدا ومؤثرة في الأحداث .فقد تأخذ الأحداث شكلاً مختلفاً في عهد خلفائه لأننا قد نواجه صعوبة في ايجاد شخصية تحمل هذه الصفات والمقدرة علي المزج بين القوة واللين وبين الصلابة والمرونة. عنصر تهدئة ويقول الكاتب والروائي جمال الغيطاني أن الخبر كان له وقع المفاجأة رغم علمي بمرضه ولكن الموت موت . فالأنبا شنودة بابا استثنائي بكل معني الكلمة وكان شخصية فذة وقائداً وطنياً ورمزاً جليلاً وكان عنصر تهدئة للكثير من الأزمات والمشاكل وتركنا في فترة صعبة للغاية لأن مصر في مفترق طرق . ويعبر الغيطاني عن تأئره قائلاً: كانت تربطني به علاقة شخصية وأنا مدين له لاهتمامه الشديد بي أثناء مرضي وقام بتوصية مندوب الباباوية في كليفلاند بالولايات المتحدة بمتابعتي غير اتصاله بي أسبوعيا.. ويضيف الغيطاني ان البابا قام بنقلة نوعية مهمة في الكنيسة القبطية حيث أهتم بالثقافة القبطية باعتبارها جزءًا أساسياً من الثقافة المصرية وأحيا اللغة ودعم كل المجهودات الثقافية مثل مؤسسة ماري مرقص الرسول التي أسسها الدكتور فوزي اسطفانوس. صاحب رؤية أما الكاتب والفنان التشكيلي عز الدين نجيب فيقول ان قداسته كان يعني لي أكثر من رجل دين أو زعيم روحاني للمسيحيين فكنت أنظر اليه كرجل وطني صاحب رؤية للنهوض بالأمة من خلال الوحدة الوطنية كعقيدة وليس مجرد شعار مستهلك مثلما أعتدنا أن نسمع في كل العهود وأنما كحارس علي تراث عظيم في توحد النسيج المصري عبر العهود منذ آلاف السنين بالاضافة للتسامح والشعور بالترابط الأخوي مع القيادات من المسلمين سواء في مجال الدين الاسلامي أو في مجال العمل السياسي . كما كان يملك القدرة علي التحليق فوق منطقة التنازع علي العقائد. الشعر العربي أما الكاتب والأديب يوسف القعيد فيقول : أن الأقدار بيد الله ولكن رحيله جاء في مفصل شديد الخطورة بالنسبة لمصر لأن الاخوة المسيحيين المصريين لديهم احساس رهيب بأن المستقبل غامض أمامهم بعد صعود التيار الاسلامي السياسي .وقد نشرت احدي الصحف أن الذين هاجروا نهائيا من مصر خلال العام المنصرم حوالي 650 ألفا وهذا رقم رهيب . ورحيل البابا قد يزيد المخاوف اذا لم يستطع الأخوة في الاسلام السياسي طمأنة الأخوة المسيحيين في غياب البابا شنودة بأن أوضاعهم ستكون مستقرة و لن تسوء في المستقبل القريب أو البعيد . والشيء الذي يؤرقني بعد رحيله من الذي يستطيع الجلوس علي مقعده رغم أن الكنيسة مؤسسة لا بأس بها لكن البابا قيادة دينية لها بعد روحي وكلمته مسموعة وقد يكون أقوي من المؤسسة.. ولعل القعيد يذيع سراً حين يقول : عندما قمت بزيارته أثناء تحديد اقامته بدير وادي النطرون من قبل السادات صرح لي برغبته في تناول مختارات من الشعر العربي بالكتابة فأرجو البحث عن هذه المختارات ونشرها اذا كان قد أنجزها. حكيم وصبور ويؤكد الكاتب حلمي النمنم ان الوفاة في هذا التوقيت خسارة بالغة لمصر وللمصريين جميعا وليس للمسيحيين فقط لأنه رجل شديد الوطنية.. ويتذكر النمنم أنه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أنطلق المحافظون الجدد في أمريكا بطريقة غاشمة حاولت أن تفرض الحماية الدينية للأقليات وكان المقصود هنا مسيحيي مصر وانساق بعض أقباط المهجر وراء هذه الدعوة .ولكن قداسته تصدي لهذه الدعوة من منطلق الانتماء لخصوصيتنا فأعلن عدم وجود اضطهاد لأقباط مصر ولكن ما يحدث هو اعمال عنف عادية تمر في المجتمع ويمكن مواجهتها بالقانون وكانت كلمته " مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا " كما قدم قداسته لمصر وللمصريين خدمة جليلة فيما يتعلق بموضوع التطبيع مع اسرائيل وزيارة القدس بتحريمه علي الأقباط الذهاب اليها وحدهم وقال " لن ندخل القدس الا ويدنا في يد أخواننا المسلمين. وتقول الكاتبة جينا بسطا رغم علمي بشدة مرضه لكني لم أكن مهيأة نفسيا لفكرة رحيله بهذه السرعة.. كان مواطناً مصرياً من الدرجة الأولي ومحبته للوطن ظهرت في أكثر من موقف وآخر هذه المواقف ما صرح به د. مصطفي الفقي ، فعندما عرض علي قداسته منح المسيحيين اجازة رسمية في عيد القيامة رفض وكان مبرره أن هذا سيسبب مشكلة علي مستوي الوحدة الوطنية لأن الأخوة المسلمين غير مؤمنين بجزئية القيامة فأقر اجازة عيد الميلاد ورفض أن يكون لعيد القيامة اجازة رسمية . ويقول الكاتب د.أحمد الخميسي أحزنني للغاية رحيل قداسة البابا شنودة الثالث بداية لدوره كرجل دين مصري عظيم ظل طوال حياته يصب من قلبه وايمانه وصبره ماء التسامح علي حرائق الطائفية ويغرس المحبة والحكمة في أرضنا . أحزنني رحيله أيضا كوطني مصري نادر المثال حين رفض مرافقة أنور السادات لزيارة اسرائيل عام 1977 ، ثم امتنع بعد ذلك عن استضافة أو مصافحة الاسرائيليين . ولابد من التنويه بحكمته وبموقفه الوطني أيضا المتمثل في صد محاولات التدخل الخارجي في شئون الأقباط بمصر . أحزنني رحيله كمثقف انساني موسوعي ، فقد درس التاريخ الفرعوني والاسلامي والحديث ما أن التحق بجامعة القاهرة ( جامعة فؤاد حينذاك ) وكان يكتب الشعر وله في ذلك الكثير من الترانيم الدينية الرقيقة التي تنم عن روح تتطلع فقط الي النور .