في يوم الاثنين 19 ديسمبر الماضي أصدرت هيئة قضائية خماسية مذكرة بالقبض علي «طارق الهاشمي» نائب رئيس الجمهورية العراقية، «بناء علي اعترافات لأفراد من حماية الهاشمي بقيامهم بمهمات اغتيال وزرع عبوات ناسفة بتكليف من الهاشمي وأحد مساعديه الكبار. وسبق صدور القرار القضائي إلقاء قوات الأمن العراقية القبض علي ثلاثة ضباط من أفراد حمايته، وطالب الهاشمي بإطلاق سراحهم «في غياب أوامر قضائية ورسمية بالقبض عليهم». وفي اليوم السابق «الأحد 18 ديسمبر» وأثناء تواجد الهاشمي في الطائرة المقرر اتجاهها من بغداد إلي أربيل عاصمة إقليم كردستان، أرغمت السلطات الأمنية العراقية الهاشمي علي الهبوط من الطائرة واعتقلت عددا من حراسه الشخصيين الذين كانوا معه، قبل أن تسمح له بالسفر، حيث لايزال مقيما هناك في ضيافة «مسعود بارزاني». وواكب هذه التطورات محاولة رئيس الوزراء «نوري المالكي» إقالة نائبه لشئون الخدمات «صالح المطلق» لوصفه للمالكي بأنه «ديكتاتور أسوأ من صدام حسين». وردت القائمة العراقية التي يرأسها «إياد علاوي» وينتمي إليها الهاشمي والمطلق، والتي حصلت علي 91 مقعدا في انتخابات البرلمان (5 مارس 2010) متقدمة علي كل الأحزاب والائتلافات الأخري (عدد أعضاء البرلمان 325) ولها 8 أعضاء في الحكومة من أصل 31 وزيرا، علي الإجراءات المتخذة ضد اثنين من قادتها بمقاطعة جلسات البرلمان والحكومة، والتهديد بالانسحاب من الائتلاف الحاكم المكون من الشيعة «الائتلاف العراقي» والسنة «القائمة العراقية» والكرد «التحالف الكردستاني» وأعلن الهاشمي استعداده للخضوع للمحاكمة علي أن تتم المحاكمة في إقليم كردستان أو في مدينة كركوك «الكردية» وليس في بغداد «حيث يحكم المالكي سيطرته علي النظام بما فيه القضاء». ورفض المالكي وأصر علي محاكمة الهاشمي في بغداد، ورفضت هيئة قضائية طلب الهاشمي نقل المحاكمة إلي إقليم كردستان. كانت هذه الأحداث التي أعقبت انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق بساعات، إعلانا عن مدي الأزمة السياسية التي يعيشها العراق. يقول «فخري كريم» - كبير مستشاري رئيس جمهورية العراق - ورئيس تحرير صحيفة المدي في إحدي افتتاحياته بالجريدة «لقد أصبح واضحا أن التراكم السلبي لمسيرة «حكومة الشراكة الوطنية» التي جردها السيد رئيس الوزراء بتعاليه وانفراده المنفر، من أي مفهوم للشراكة، دفع العملية السياسية إلي حالة اختناق مستعصية يتعذر استمرارها علي ما هي عليه، دون جهد جاد لإخراجها إلي مساحة أخري»، ويحدد ملامح هذه الحالة المستعصية في استمرار احتفاظ المالكي بوزارتي الدفاع والداخلية «الوزارات الأمنية» إلي جانب رئاسته للوزارة وإدارتها مباشرة من جانبه «أو عبر المريدين» ولا يكتفي بكونه «قائد عام القوات المسلحة.. بل يغوص في تفاصيل المهام الخاصة بالجيش والقوات المسلحة - شخصيا أو عبر مكتبه»، وتجاهل المالكي لشركائه في الحكم «وتغييبهم من القرارات المصيرية أو الضرورية، واعتماده علي مفاجأة الآخرين بالقرارات.. إلي حد اتخاذ قرارات خطيرة تمس الأمن الوطني ومستقبل البلاد»، وتعامله مع الدستور والقوانين بانتقائية تخدم أغراضه وفشله في إنجاز أي برنامج للخدمات ومسئوليته عن «تصاعد وتائر الفساد ونهب المال العام وتفسخ الأجهزة الإدارية» وتوسع دوائر الفساد «مع اتخاذها طابعا «مقوننا».. ونهب المليارات يتم في إطار صفقات ملتهبة، تقود إلي صراعات و«خناقات» بين صقور المقاولات وصائدي جوائزها، تفضحها «فضائيات الطرفين في عواصم مجاورة». ويحدد «شوان محمد طه» عضو البرلمان «التحالف الكردستاني» مواضيع الخلاف بين الكتل السياسية العراقية في: - تسمية وزراء للوزارات الأمنية. - تحقيق التوازن بين الكتل السياسية المختلفة في مؤسسات الدولة خصوصا المؤسسات الأمنية. - تشكيل المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي يرأسه إياد علاوي. - تحديد صلاحيات مجلس الوزراء. - مشاكل الأقاليم. - رفض التيار الصدري لمشاركة «عصائب أهل الحق» في الحكومة. وفي مقال بصحيفة «المدي» يتهم الكاتب المالكي ب تكريس أسس «اللادولة» وإشاعة مفاهيمها وتقاليدها وممارساتها.. فأينما التقط الناس مصطلح «دولة القانون» ترجموها إلي مملكة رئيس الوزراء، وشريعة اللاقانون.. وتحويل الوزارات وأجهزتها ومؤسساتها إلي أطر حزبية تدين بالولاء لحزب الوزير والمتنفذين فيه.. وترهلت الوزارات بالمحسوبيات والبطالة المقنعة، وأثقلت الوزارات بمئات الوكلاء والمدراء العامين الفائضين عن الحاجة، واستشرت المحسوبيات والعصبيات المذهبية والحزبية والمناطقية». ويدور الخلاف في المرحلة الحالية وبصفة أساسية بين «ائتلاف دولة القانون» بزعامة المالكي و«القائمة العراقية» بزعامة إياد علاوي. وتتعرض القائمة العراقية لانتقادات حادة في الفترة الأخيرة، فرغم أنها تقدم نفسها باعتبارها تكتلا علمانيا غير طائفي يرفض هيمنة الشيعة ويدافع عن السنة وحقهم في المشاركة علي قدم المساواة، إلا أن خصومها يتهمونها بتبني قضية الدفاع عن كوادر البعث الصدامية من خلال المطالبة بإلغاء «قانون اجتثاث البعث» والدفاع عنه «وعن مجرميه المتورطين بأذي العراقيين وخراب العراق»، ويثير البعض قضية الدعم الهائل الذي أتيح للقائمة العراقية قبل الانتخابات «.. فلا نستطيع ألا نفكر بالمال السياسي الخليجي، ولا نستطيع ألا نفكر بالرعاية التركية لتشكيل العراقية، ولا نستطيع أن ننسي الماكينة الإعلامية الهائلة التي كرست كل جهدها من أجل هذه الكتلة». وانشقت عن العراقية خلال الفترة الماضية ثلاث كتل.. «القائمة البيضاء» برئاسة حسن العلوي، وكتلة الوطنيين برئاسة عبدالرحمن اللويزي، و«كتلة وتوت» برئاسة إسكندر وتوت. ويلعب التحالف الكردستاني بزعامة رئيس الجمهورية «جلال طالباني» ورئيس إقليم كردستان «مسعود بارزاني» دورا رئيسيا في تخفيف الاحتقان وتحقيق التوازن وحل المشاكل بين ائتلاف دولة القانون والقائمة العراقية. وتركزت المحاولات في الأيام الأخيرة في عقد «مؤتمر وطني»، وعقد اجتماع بين رئيس الجمهورية «جلال طالباني» ورئيس مجلس النواب «أسامة النجيفي» في السليمانية تم خلاله الاتفاق علي عدة محاور للخروج من الأزمة، أهمها حل قضية الهاشمي عبر الإجراءات القانونية التي يتيحها القانون والتي تضمن الوصول للحقائق بشكل سليم، وعقد مؤتمر وطني عام لجميع القوي السياسية لمعالجة القضايا المتعلقة بإدارة الحكم والدولة، وتشكيل لجنة تحضيرية للتمهيد للمؤتمر، وإيقاف الحملات الإعلامية والإجراءات التي من شأنها تعقيد الأوضاع. وطالبت «ميسون الدملوجي» الناطقة باسم العراقية بوقف حملة الاعتقالات العشوائية التي تصاعدت خلال الأيام القليلة الماضية وطاولت مناطق متفرقة، ما يشير إلي أن ائتلاف دولة القانون لا يسعي كما يدعي إلي التهدئة وتوفير أجواء مريحة باتت مطلوبة من أجل إنجاح المؤتمر. وتشير الدوائر السياسية إلي أن نقاط الحل المطروحة علي المؤتمر تتضمن: - وضع نظام داخلي لعمل مجلس الوزراء. - اعتماد وثيقة الإصلاح التي سبق أن أقرها مجلس النواب ولم تفعل. - الركون إلي المواد الدستورية الضامنة للعمل الجماعي لمجلس الوزراء والتي تؤكد أن جميع صلاحيات السلطة التنفيذية هي لمجلس الوزراء مجتمعا، وأن رئيس المجلس هو المسئول التنفيذي فحسب. - أن منصب القائد العام مرتبط بمنصب رئيس مجلس الوزراء، وبالتالي فقرارات القائد العام خاضعة لسلطة مجلس الوزراء وليست بمعزل عنه. - إعادة النظر في كل القرارات التي اتخذت في الفترة الماضية وبخاصة المتعلقة بالهيئات المستقلة والمراكز الحكومية التي تدار بصفة الوكالة «وكلاء الوزارات وقادة الفرق العسكرية وأجهزة الأمن، ورؤساء مؤسسات ومدراء عامون» باعتبار أن التعيينات في هذه المناصب تخضع لموافق وإقرار مجلس النواب، ما يتطلب عرض هذه التشريحات علي البرلمان، وعدم شغل هذه الوظائف بشكل دائم وإنما تكون مؤقتة لفترة لا تزيد علي شهرين ما لم يوافق مجلس النواب علي التعيينات.