في حواره مع الزميلين «محمد صيام وأيمن عاشور» المنشور بجريدة الجمهورية يوم الأربعاء 28 ديسمبر، قال د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية والكاتب السياسي المعروف «إن المتأمل في انتخابات برلمان 25 يناير يلاحظ بوضوح تراجع جميع القوي السياسية التي ارتبطت بالنظام المنهار ورضيت أن تقوم بدور التابع أو الديكور فقط، وبالتالي فإن ذلك يكون سببا قاطعا وجازما أدي إلي سقوطها في الامتحان الأخير.. هذه القوي السياسية تضم اليسار التقليدي الممثل في حزب التجمع واليمين التقليدي الممثل في حزب الوفد، وكل منهما قد انتهي، وفي طريقه إلي التآكل، والمرحلة القادمة سوف تفرز تيارات مختلفة تماما». ليسمح لي د. حسن نافعة أن أختلف معه، علي الأقل فيما يتعلق بحزب التجمع، فللوفد قادته القادرون علي الرد والتوضيح. فالقول إن التجمع ارتبط بالنظام المنهار ورضي أن يقوم بدور التابع أو الديكور، أمر يجافي الحقيقة وادعاء ينفيه الواقع. لقد ولد حزب التجمع رسميا «قانونيا» يوم 29 مارس 1976 عندما وافق الاجتماع المشترك لمجلس الشعب واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي علي قيام ثلاثة منابر «تنظيمات» داخلية، يمين «الأحرار الاشتراكي» ووسط «مصر العربي الاشتراكي» ويسار «التجمع الوطني التقدمي الوحدوي»، وولد واقعيا بانعقاد هيئته التأسيسية الأولي (133 عضوا) يوم 10 أبريل 1976 وانتخابها لسكرتارية «مؤقتة» من 39 عضوا يرأسها «خالد محيي الدين» كمقرر مؤقت للحزب. ومنذ اللحظة الأولي تعرض التجمع نتيجة اتخاذه موقف الاستقلال عن الاتحاد الاشتراكي وتصرفه كحزب معارض لسياسات الحكم، لحملة تشويه صحفية وسياسية، شارك فيها رئيس الجمهورية «أنور السادات» ورئيس الوزراء «ممدوح سالم» ورؤساء تحرير الصحف القومية وخطباء الجوامع بطول مصر وعرضها، وركزت الحملة علي الخلط المتعمد بين حزب التجمع والحزب الشيوعي المصري الذي أعلن عن إعادة تأسيسه سرا في أول مايو 1975، والادعاء بسيطرة الماركسيين علي قيادة التجمع، وأن التجمع حزب معاد للدين وقادته كفرة وملحدون وعملاء للاتحاد السوفييتي، ويسعي الحزب للإثارة والتحريض علي الفوضي والتخريب «راجع الأخبار 8 يونيو 1976 والجمهورية 14 يونيو 1976 والأخبار 15 يونيو 1976.. إلخ» وفي 22 أكتوبر 1976 نشرت «الأهرام» حديثا للواء ممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء هاجم ما ادعاه من تسلط الماركسيين علي قيادة التجمع ومساره وخروج الحزب عن الموضوعية إلي الإثارة ودعوته إلي تنظيم حق الإضراب «هذه الدعوة المخربة لمصالح البلاد ومصالح فئات الشعب الكادحة» ودافع عن حق رجال الدين وأئمة المساجد التابعة لوزارة الأوقاف في الهجوم علي التجمع! السادات شخصياً وخاض السادات المعركة ضد التجمع بنفسه، فعقب الاستفتاء علي انتخابه رئيسا للجمهورية لفترة رئاسية ثانية في 16 سبتمبر 1976 ونشر خبر فوزه بنسبة 93.99% في اليوم التالي، وقعت مفاجأة لم تكن في الحسبان، أضرب العاملون بهيئة النقل العام بالقاهرة وأصبحت العاصمة بلا مواصلات داخلية، واستمر الإضراب يومي السبت والأحد ولم ينته إلا باقتحام قوات الأمن المركزي لجراج هيئة النقل العام بالأميرية والاعتداء علي السائقين والعمال، وأعلن ممدوح سالم أن قلة ماركسية وراء محاولة تعطيل النقل العام بالقاهرة وأن سلطات الأمن ألقت القبض علي المحرضين واتضح أن علي رأسهم «من الشيوعيين المعروفين في هذا القطاع وأحيلوا للنيابة للتحقيق». كنت في ذلك الحين أمينا لحزب التجمع في القاهرة، وكان أمامي تقارير زملائنا أعضاء الحزب من القيادات النقابية في هيئة النقل العام التي تفصل أسباب الإضراب وظروفه وتطوراته ومشاركة كل العاملين فيه، وقررت أمانة التجمع بالقاهرة صياغة بيان حول الإضراب يشرح للرأي العام الحقائق ويؤكد «ضرورة الاعتراف بحق الإضراب وتنظيمه»، وتوليت صياغة البيان وطبعه وقام الزملاء بتوزيعه في الشارع، كأول بيان يصدره حزب معارض ويوزعه في الشارع، وجن جنون السادات وهاجم التجمع في خطابه في ذكري رحيل جمال عبدالناصر (28 سبتمبر) واعتبر الدعوة للإضراب جريمة وعمالة لموسكو، وكان الخطاب بمثابة إشارة البدء لحملة صحفية ضارية - خاصة من صحيفة الأخبار والزميل الراحل «موسي صبري». وتكررت الحملات مع خوض الحزب انتخابات مجلس الشعب بعدد من المرشحين يتجاوز الستين بقليل، وسجل «مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية في الأهرام» في دراسة حول الانتخابات، أن حزب التجمع قد خصصه 84% من النقد الذي نشر في الصحافة المصرية «القومية» خلال المعركة الانتخابية (5.37% يحمل اتهاما بالتآمر والتضليل وتوزيع المنشورات العلنية وتسلط الماركسيين، 5.37% المجتمع يرفض الاتجاه اليساري في الأساس 5.21% اليسار ينافي الدين، 1.3 %اليسار يستخدم أسلوبا رجعيا في الدعاية). وعقب انتفاضة 18 و19 يناير 1977 إثر رفع أسعار كل السلع والخدمات الأساسية، وتوجيه رئيس مجلس الوزراء الاتهام لحزب التجمع والشيوعيين والناصريين بالمسئولية عن الأحداث، وهو شرف لا يدعيه التجمع، ألقي القبض علي حوالي 460 من قيادات وأعضاء حزب التجمع، بعد أن قدم جهاز مباحث أمن الدولة عدة مذكرات إلي النيابة العامة تتهم حزب التجمع بالمسئولية والمشاركة في الأحداث وفي عمليات التخريب في محافظات «القاهرة والجيزة والسويس والشرقية وقنا والمنيا وشبرا الخيمة ودمياط وبورسعيد»، وظلوا محبوسين احتياطيا لفترات تراوحت ما بين شهر وستة أشهر إلي أن أفرج عنهم جميعا إما عن طريق النيابة أو محاكم أمن الدولة، وقد تمت تبرئة جميع المتهمين الذين قدمتهم النيابة للمحاكمة إما بتهمة التحريض أو المشاركة في انتفاضة 18 و19 يناير 1977 (القضية 101 حصر أمن الدولة العليا - وقضايا الشغب في المحافظات) أو قضية الانضمام إلي أحزاب ومنظمات محظورة مثل الحزب الشيوعي المصري وحزب العمال الشيوعي والحزب الشيوعي 8 يناير (القضية 100 حصر أمن الدولة العليا). وفي عام 1979 تكرر اقتحام مباحث أمن الدولة لمقر حزب التجمع «المركزي» وإلقاء القبض علي عدد من القيادات والأعضاء بتهم مختلفة، بداية من حملة 18 يناير 1979 ثم حملة اعتقالات لقيادات وأعضاء الحزب ليلة توقيع معاهدة الصلح بين السادات وبيجن (26 مارس) واقتحام الحزب في 28 مارس، تلتها حملة ثالثة في 7 أبريل ورابعة في 17 أبريل، وقدم عدد من قيادات الحزب للمحاكمة بتهمة تأسيس وإدارة منظمة غير مشروعة تستهدف قلب نظام الحكم بالقوة (1979). حملة بوليسية وتكررت حملة إلقاء القبض علي عدد من قيادات وأعضاء حزب التجمع بالتهمة نفسها في مارس 1981، وفي سبتمبر 1981 شن السادات وأجهزة حكمه حملة بوليسية ضد جميع القوي السياسية والأحزاب وأعضاء مجالس النقابات المهنية والعمالية ومواطنين عاديين شملت إلقاء القبض علي 1536 مصريا شملت 23 من قيادات حزب التجمع من بينهم 15 من أعضاء أمانته العامة، كما تم نقل 64 من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية و67 من الصحفيين والعاملين في المؤسسات الصحفية واتحاد الإذاعة والتليفزيون إلي وظائف أخري أو إلي هيئة الاستعلامات، وكان لأعضاء حزب التجمع في الجامعات والصحف النصيب الأكبر. وتعرض التجمع خلال حكم مبارك لحملات حكومية من نوع يختلف نتيجة معارضته الجذرية ومواقفه الحاسمة دفاعا عن الشعب المصري وطبقاته الشعبية ومصالحه الوطنية والقومية. خاض الحزب معركة ضد الرأسمالية الطفيلية والعائلية التي هيمنت علي الاقتصاد المصري وقادته إلي أزمة مستحكمة، وقدم د. إسماعيل صبري باسم الحزب تقريرا مهما حول السياسات الحكومية التي قامت علي تخلي الدولة عن أي دور في التنمية وتوفير الخدمات الأساسية واللجوء إلي بيع وتصفية القطاع العام إلي المؤتمر الاقتصادي الذي دعا إليه رئيس الجمهورية عام 1982. وواصل الحزب دفاعه عن القطاع العام، مع المطالبة بمعالجة الأخطاء والنواقص في إدارته، وتصدي قادة الحزب وخبراؤه أمثال «د. فؤاد مرسي ود. إسماعيل صبري عبدالله ود. إبراهيم العيسوي ود. جودة عبدالخالق ود. محمود عبدالفضيل ود. عمرو محيي الدين ود. إبراهيم سعدالدين» لهذه السياسات بتقديم دراسات نقدية واقتراحات لسياسات بديلة. وفجر الحزب معركة تعذيب المصريين علي يد الشرطة ومباحث أمن الدولة في المعتقلات والسجون وأقسام الشرطة، وأجبر السلطات علي تقديم عدد من كبار الضباط والجنود للمحاكمة. ووجهت المحكمة نقدا لاذعا للنيابة العامة بعد تبرئة جميع المتهمين للأخطاء «المتعمدة» التي ارتكبتها في التحقيق لضمان تبرئة المتهمين، مما دفع المحكمة إلي اتهام النيابة العامة بالتقصير والوقوع في العوار الذي كانت المحاكمة تسجله بالنسبة لتحريات مباحث أمن الدولة. وكشف الحزب تزوير الانتخابات النيابية عام 1984 و1987 و1990 و1995 و2000 و2005 و2010 بالوقائع والمستندات. وأسقط حزب التجمع وصحيفته «الأهالي» الحصانة المفروضة علي القوات المسلحة وقادتها، فانتقد دور المؤسسة العسكرية في الحكم وسلطاتها وامتيازات أعضائها في صحيفة «الأهالي» وعارض التسهيلات العسكرية الأمريكية في مصر، وكشفت «الأهالي» في يونيو 1985 وجود تواطؤ بين الحكم في مصر برئاسة مبارك والإدارة الأمريكية للهجوم علي ليبيا. ضد التطبيع وتصدي الحزب بقوة للتطبيع مع العدو الصهيوني، سواء بمواقف مباشرة من الحزب أو من خلال «الأهالي» أو عبر «لجنة الدفاع عن الثقافة القومية» وهي لجنة جبهوية تنشط من خلال الحزب عقب تشكيلها في نهاية مؤتمر ضم مئات من أبرز مثقفي مصر الوطنيين والتقدميين في 2 أبريل 1979، وبسبب هذا الموقف تعرض أعضاء حزب التجمع لحملات اعتقال متوالية (26 مارس 1979، يوم توقيع معاهدة الصلح - فبراير 1980 - أكتوبر 1980 - يناير وفبراير 1981 لتوزيع بيان ضد مشاركة إسرائيل في معرض الكتاب - مارس 1981 ضد وجود إسرائيل في سوق القاهرة الدولية - مايو 1985 ضد قيام وفد إسرائيلي يوم 15 مايو بالصلاة في المعبد اليهودي بشارع عدلي في القاهرة..». ولو استمررت في رصد وتسجيل المعارك التي خاضها التجمع ضد نظام الحكم الاستبدادي في عهد مبارك فقد أحتاج إلي أضعاف هذه المساحة، وسأكتفي بالحملة التي شنها الحزب وصحيفة «الأهالي» ضد نظام مبارك في عام 2008 بمناسبة مرور 27 عاما علي توليه حكم مصر، فنشرت ملفا يومي 22 و29 أكتوبر وضمن عناوينه.. - لم تعرف مصر عصرا تفشي فيه الانحلال والعجز وعم فيه الفساد مثل العصر الحالي. - في عهد مبارك وقع تمرد الأمن المركزي واغتيال رئيس مجلس الشعب وجرت محاولات لاغتيال ثلاثة وزراء داخلية.. وكارثة العبارة «سالم إكسبريس» وكارثة نواب الكيف وكارثة التحرش الجنسي الجماعي - 10 ملايين يسكنون العشوائيات - طوارئ واعتقال وتعذيب - حصار أمني وقانوني علي الأحزاب السياسية - ازدياد معدلات العنوسة وفي 11 مارس 2009 كان مانشيت «الأهالي».. «النظام يعيش أيامه الأخيرة.. ومصر علي شفا الثورة». بقيت ملاحظة أخيرة تتعلق بما قاله د. حسن نافعة في حديثه حول حركة كفاية وأنها «لعبت دورا مهما في الحراك السياسي المصري قبل الثورة وبالتحديد منذ نشأتها عام 2005، وكان موقفها المعادي ضد مبارك المخلوع واضحا لأنها ربما كانت الحركة الأولي التي نزلت الشارع بقوة». «كفاية» في التجمع وما لم يقله د. حسن نافعة إن حركة كفاية التي ظهرت للوجود في 12 ديسمبر 2004 (وليس عام 2005) ورفعت شعار «لا للتمديد.. لا للتوريث» ضمت في أول لجنة تنسيقية لها (35 عضوا) منهم عضوان من قيادة التجمع وبقرار من الحزب وهما «عبدالغفار شكر» و«حسين عبدالرازق» واعتمدت في عضويتها في المحافظات علي كوادر حزب التجمع، وكانت تعقد اجتماعاتها في الأقاليم في مقار حزب التجمع. وليس صحيحا أن «كفاية» هي أول من نزل للشارع بقوة، فلو عاد نافعة إلي الصحف المصرية والعربية اعتبارا من عام 2003، فسيجد أن حزب التجمع نظم مظاهرة ووقفة احتجاجية أمام مجلس الشعب في 10 سبتمبر 2003 ضد ارتفاع الأسعار، ووقفة احتجاجية ثانية أمام مجلس الشعب وفي محافظات المنوفية والدقهلية والإسماعيلية ودمياط والعريش وأسيوط والفيوم والمنيا وسوهاج في 17 يناير 2004 ضد بيان الحكومة، ووقفات أخري في يناير وأغسطس وسبتمبر ونوفمبر لدعم الانتفاضة الفلسطينية والتضامن مع الأسري الفلسطينيين، وضد رفع الأسعار، ومؤتمر شرم الشيخ، ووقفة احتجاجية أمام مجلس الشعب في 7 فبراير 2005 للمطالبة بالتغيير السياسي والدستور الديمقراطي، تلتها وقفة في 9 مارس 2005 ضد المادة 76 من الدستور وتعديلاتها، فمسيرة من مقر الحزب بطلعت حرب إلي مجلس الشعب ضد تعديلات قانوني الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية في 29 يونيو 2005 ووقفة احتجاجية ضد مد حالة الطوارئ والقوانين المقيدة للحريات في يوليو 2005، وفي 10 سبتمبر 2005 مسيرة سلمية من مقر الحزب بطلعت حرب إلي ميدان التحرير فباب اللوق فميدان الأوبرا عقب انتخاب مبارك رئيسا لولاية خامسة، رافعين لأول مرة شعارات تقول «انتخاب مبارك.. باطل باطل باطل» و«يسقط يسقط حسني مبارك». فهل من الإنصاف القول مع هذه الحقائق إن التجمع كان يقوم بدور التابع أو الديكور لنظام مبارك؟!