مصر تحترق الثورة بداية التغيير - هكذا - قرأنا وتعلمنا من كل ثورات العالم أما أن تتحول الثورة إلي فوضي وانهيار وانقضاض علي جثة الوطن سواء من الحاكمين أو المحكومين، فهذا ما لم نعهده في بلد آخر سوي هذا البلد الطيب، الذي قام بثورة مباركة أسقط فيها واحدا من أعتي نظم الفساد التي عرفها التاريخ الحديث، لكنه لم يستطع أن يحافظ علي المظهر الحضاري الذي تجلي في الأيام الثامنة عشر من 25 يناير حتي 11 فبراير 2011، هذا المظهر الذي أبهر العالم وقدم درسا في الرقي والتحضر والوعي. ما حدث خلال الأيام الأخيرة في شارع قصر العيني أمر يدعو للأسف وللحزن فكلا الطرفين «الجيش والثوار» قدما أسوأ صورة يمكن أن يراها العالم للإنسان المصري. حيث التهور واللامبالاة والجحود لكل قيم الوطنية والحرية. فمصر التي هي بحاجة إلي بناء حقيقي - في كافة مستويات الحياة - رأيناها تحترق، و«الدم في كل الشوارع» علي حد تعبير «بابلويزودا»، والشهداء يتساقطون واحدا تلو الآخر حتي من أراد المصالحة والتهدئة بين الطرفين مثل الشيخ الراحل عماد عفت أمين لجنة الفتوي بالأزهر والذي استشهد برصاصة في قلبه وهو يحاول رأب الصدع بين المتظاهرين وقوات الجيش. وإذا كنا - قديما - نفتخر بتراثنا الحضاري فها هو يتآكل يوما بعد الآخر، سواء بشكل معنوي أو بشكل محسوس كما حدث في حريق «المجمع العلمي» الذي يعود تاريخ إنشائه إلي عام 1798 مع قدوم الحملة الفرنسية علي مصر، وهو المبني الذي تم حرقه مرتين الأولي كانت حرقا معنويا خلال الخمسين عاما الماضية فرغم ما يحتويه من تراث علمي وإنساني لم يلتفت إليه أحد ممن كانوا يقيمون علي أمر هذا البلد المسكين. وهذا الأسبوع أتت النار علي ما تبقي منه فأصبح في عداد الموتي وكتبت شهادة وفاته، لكن ما يبكي هذه المرة أنها جاءت بعد ثورة توسم الجميع فيها سبيلا للنجاة والخلاص وفاتحة لحياة جديدة. احترق كتاب وصف مصر الذي كان أكبر مرجع علمي عن مصر، واحترق معه أكثر من 200 ألف كتاب ومخطوط نادر. مصر تحترق كل يوم بأيدي أبنائها، هل ننتظر أن تصبح مصر جثة يرقص الدمار فوقها، وتعبث الذئاب بتاريخها؟!!