مهمة المثقف في ليبيا بعد الثورة أصعب من مهمة المثقف في غيرها من البلدان د. صالح السنوسي روائي ومثقف ليبي، يعمل أستاذا للعلوم السياسية والقانون الدولي بجامعة بني غازي، صدر له عدة أعمال إبداعية وسياسية منها روايات: «متي يفيض الوادي؟» و«سيرة آخر بني هلال» و«حلق الريح» و«غدا تزورنا الخيول» و«لقاء علي الجسر القديم» بالإضافة إلي مجموعة من الكتب السياسية منها «العرب من الحداثة إلي العولمة» و«العولمة أفق مفتوح وإرث يثير المخاوف» و«إشكالية المجتمع المدني العربي»، هنا حوار معه حول المستقبل السياسي لليبيا بعد الثورة. كيف تري المجتمع الليبي بعد الثورة - من خلال تشكيلاته المجتمعية - التي تلقي بظلالها علي البعد السياسي، الذي - بالتأكيد - يحدد المستقبل السياسي لليبيا؟ أعتقد أن المجتمع الليبي قد اكتشف نفسه بعد الثورة لأنه في السابق كان مجرد كتلة غير متميزة في ظل نظام شمولي، لا يقبل التمايز، ولكن بعد الثورة بدأت تظهر تمايزات داخل المجتمع بعضها اجتماعي، فهناك طبقة مرفهة كانت من إنتاج النظام السابق، وهناك طبقة أخري وهي القاعدة الاجتماعية والتي كانت في السابق تعيش علي فتات النظام فكانت الثورة بالنسبة لها فرصة لتعلن عن مطالبها وطموحاتها سواء الاقتصادية أو السياسية. وهي في الغالب المطالب المتعلقة بحياتها الاقتصادية مثل العمل والسكن والمرتب فهذه المطالب كلها أصبحت - الآن هي محور التطلعات، وهي أحيانا تطرح بشكل مبالغ فيه من حيث الرغبة في تحقيق ذلك من خلال فترة وجيزة، وهذا يعتبر أحد تحديات الثورة لأن تحقيق مثل هذه المطالب في وقت قصير يواجه بعض الصعوبات بالنظر إلي ما تركته الثورة من تدمير لما كان يعرف بالبنية التحتية الفقيرة التي أسسها النظام السابق. تجاوز الصعوبات لكن البعض يري أن ليبيا بما تملكه من إمكانيات مادية وجغرافية قادرة علي تجاوز هذه الصعوبات - في وقت قصير - ربما أسرع مما تواجهه مصر مثلا؟ هذا صحيح.. ولكن كل الرصيد الليبي مازال يرزخ تحت طائلة قرارات التجميد الدولية من ناحية ثم هناك أموال أخري تعد بالمليارات لا يعرف لها مكان بسبب الطريقة التي كان يتبعها «القذافي» في استثمار هذه الأموال بأسماء أشخاص يصعب اكتشاف حساباتهم في المصارف الدولية، وشركات الاستثمار فهناك أكثر من 170 مليارا حسب ما تم الإعلان عنه موجود في المصارف والمؤسسات الاستثمارية الدولية، وهذا يحتاج ربما إلي سنوات لكي يتم استعادة بعضها. إذن هذا الاحتياطي لا يمكن استخدامه في هذا الوقت لمواجهة الحاجات الضاغطة لهذه الطبقة الاجتماعية، وبالتالي ربما يتوجب أن تنتظر بعض الوقت حتي يتم تصدير كميات كبيرة من البترول للحصول علي الأموال الكافية لتلبية هذه الحاجات. المطالب الفئوية هناك - إذن - مخاوف في ظل ذلك من مظاهرات فئوية كما حدث في مصر؟ أعتقد أنه في ليبيا بدأت مثل هذه الظاهرة أيضا، وأعتقد أن هذا يعد ظاهرة صحية تعبر عن العطش إلي ممارسة الحرية، وأيضا هي محاولة لاختبار مدي صحة أنهم قد أصبحوا أحرارا. وبالتالي قد تحدث مبالغات في طرق التعبير عن هذه الحرية ولكن أعتقد أن هذا يحدث في بدايات أي تغير في مجتمعات عاشت فترات طويلة وهي في حالة ركود وانصياع وخوف وبالتالي فما يحدث عادة في مثل هذه الأحوال هو نوع من الانفجار المطلبي. أطياف سياسية بعد نجاح الثورة الليبية ظهرت علي الساحة أطياف سياسية كثيرة متناقضة في توجهها السياسي، كيف تري إمكانية التوافق فيما بينها، خاصة في ظل علو كعب بعض التيارات الإسلامية؟ أعتقد أنه من بين أهداف الثورة هو إتاحة الفرصة لحرية الاختلاف والتعددية في التفكير وفي التوجهات وبالتالي أري أن هذا من حيث المبدأ نتاج طبيعي لظاهرة الثورة، وأعتقد - أيضا - أن التسليم بالحل الديمقراطي لمثل هذه التناقضات هو العلاج لمثل هذه الاختلافات، لأننا عندما ثرنا كنا نطالب بدولة ديمقراطية، وهذا يعني أننا ندرك أن هناك تباينات واختلافات في رؤيتنا السياسية وبالتالي رفعنا شعار الديمقراطية لأنها هي اللعبة التي من خلالها نستطيع حل هذه الاختلافات بطريقة سليمة. فإذا كان هناك تيار لا يؤمن بالديمقراطية كوسيلة لحل هذه التناقضات فمعني ذلك أنه إعادة إنتاج لنظام القذافي. والليبيون بحكم تجربتهم لأكثر من أربعة عقود لن يقبلوا بأن يسود تيار سياسي واحد يفرض رؤيته علي المجتمع. ولذلك أتوقع أن تكون هناك تيارات تتمتع بقبولية من قبل شريحة اجتماعية كبيرة مثل الإسلاميين ولكن لا أعتقد أن الساحة ستكون محتكرة. كيف تري مستقبل التعددية السياسية إذن - في ليبيا - خاصة مع وجود إمكانية لميلاد أحزاب سياسية؟ أعتقد أن التعددية بدأت منذ الأشهر الأولي من الثورة وذلك في شكل تجمعات تمثل مكونات المجتمع المدني، فظهرت مئات الجمعيات والمنتديات وهي لا شك تعد الأرضية التي ستنمو فيها التنظيمات السياسية لاسيما الأحزاب بل هناك محاولات قبل صدور الدستور لتكوين أحزاب كما هناك محاولات من خلال هذه التجمعات لنشر الثقافة السياسية المتعلقة بالمرحلة القادمة أي الأحزاب والدستور والتعددية وكل مفردات النظام الديمقراطي. دور المثقفين هل سيكون للمثقفين دور في المرحلة القادمة خاصة أنها مرحلة بناء عويصة، وتحتاج إلي إعادة تشكيل للوعي الليبي المعاصر.. كيف تري هذا الدور؟ أعتقد أن المثقفين الليبيين يقومون بدور كبير في هذه المرحلة لأنه مثلما قلت هناك إعادة بناء، وإعادة البناء لا تتوقف فقط علي تكوين مؤسسات بل تعتمد بالدرجة الأولي علي نشر ثقافة تستطيع أن تتعامل مع هذه المؤسسات، فنحن بحاجة إلي بناء الإنسان الليبي ثقافيا بعد أن ظل أكثر من أربعة قرون يعيش في ظل ثقافة أحادية. ولهذا فإن مهمة المثقف في «ليبيا» ربما أصعب من مهمة المثقف في بقية البلدان العربية التي وقعت فيها الثورات ففي مصر كيفما كان الأمر كان هناك شيء من التعددية كيفما كان شكلها، كان هناك نوع من هامش حرية التعبير في الصحافة، وكذلك الأمر في تونس وفي سوريا أيضا. ففي ليبيا كانت تسود ثقافة واحدة إذا صح التعبير وهي «نظرية القذافي» التي يسميها «النظرية العالمية الثالثة» ولم يكن هناك أي هامش لحرية التعبير والنقد.