الإسلام السياسي.. بين تونس ومصر أعلنت في تونس في نهاية الأسبوع الماضي نتائج انتخابات المجلس التأسيسي (217 عضوا) الذي سيتولي صياغة الدستور الجديد وممارسة السلطة التشريعية لمدة عام، وهي أول انتخابات حرة ونزيهة تشهدها تونس منذ استقلالها عام 1956، وتأتي بعد «ثورة الياسمين» في 14 يناير 2011 والتي كانت بداية ما يسمي الربيع العربي. وقد أسفرت الانتخابات عن فوز حزب (حركة) النهضة ب (17ر41%) أي ب (90) مقعدا، والذي يوصف بأنه حزب «إسلامي معتدل»، تأسس عام 1972 وقضي زعيمه «راشد الغنوشي» ومعظم كوادره واعضاؤه عقودا في السجون أو المنافي وتم حله في ظل نظام بن علي الاستبدادي، وعاد لممارسة وجوده القانوني بعد الثورة التونسية وحصل علي الرخصة القانونية في أول مارس الماضي. وقد اشترك في هذه الانتخابات أكثر من 80 حزبا (يوجد حاليا في تونس 114 حزبا مرخص لها قانونا) من أقصي اليمين إلي اقصي اليسار، وبلغ الاقبال علي التصويت حدا فاق كل التوقعات حيث تراوح بين 80% و90%، وشارك فيه التونسيون المقيمون بالخارج حيث خصص لهم 18 مقعدا مقابل 199 مقعدا في الداخل. وجاء حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» بزعامة «المنصف المرزوقي» في المرتبة الثانية حيث حصل علي 2ر13% من الأصوات أي 30 مقعدا في المجلس التأسيسي. وحزب المؤتمر حزب اشتراكي ديمقراطي (يسار الوسط) تأسس عام 2001 كحزب معارض لنظام بن علي، واعترف به قانونا بعد الثورة في 8 مارس الماضي. وتلاه حزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» وهو بدوره حزب اشتراكي ديمقراطي (يسار الوسط) يتزعمه «مصطفي بن جعفر» ومعترف به قانونا من 25 اكتوبر 2002، وحصل علي نسبة 68ر9% من أصوات الناخبين أي علي 21 مقعدا. وحصل «الحزب الديمقراطي التقدمي» بزعامة «أحمد نجيب الشابي» الذي خاض نضالا طويلا ضد نظام بن علي منذ تأسيسه في 12 سبتمبر 1988 علي نسبة لا تتجاوز 38ر7%من الأصوات ليحتل المرتبة الرابعة ب 17 مقعدا، لم تكن متوقعة باعتباره المنافس الرئيسي لحركة النهضة، وتتجه حركة النهضة لتشكيل تحالف مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والحزب الاشتراكي الديمقراطي. ومن الطبيعي أن تثير هذه النتائج اهتماما بالغا بين الاحزاب والقوي السياسية في مصر وبين المهتمين بالتطور السياسي في البلاد عشية اجراء انتخابات أول مجلس شعب بعد ثورة 25 يناير، وأن يطرح التساؤل حول انعكاس فوز حزب النهضة «الإسلامي» علي انتخابات مصر والتي يخوضها بقوة تيار الإسلام السياسي ممثلا في جماعة الاخوان المسلمين والاحزاب السلفية. ومن المقطوع به أن تيار الإسلام السياسي في مصر وجماعة الاخوان تحديدا ستحاول توظيف فوز النهضة في تونس لمصلحتها، وستحقق بعض النجاحات في ذلك، ولكن من الخطأ تجاهل عدد من الفروق الأساسية بين الواقع التونسي بعد ثورة 14 يناير والواقع المصري بعد ثورة 25 يناير، وبين حركة النهضة والإخوان المسلمين. فحزب النهضة تطور في السنوات الأخيرة علي المستوي الفكري والسياسي والعملي بصورة جعلت كثيرين ينظرون إليه باعتباره حزبا مدنيا حداثيا وديمقراطياً. لقد أعلن الغنوشي بعد إعلان نتائج الانتخابات عن انفتاح حزبه علي كل القوي التي ناضلت ضد الاستبداد منذ أكثر من 50 عاما لبناء مؤسسات الدولة الجديدة علي قاعدة الوفاق، وقال «نسعي إلي اخواننا في الوطن مهما كانت توجهاتهم، طالبين منهم المشاركة في كتابة الدستور وفي نظام ديمقراطي وحكومة ائتلاف وطني في إطار الوفاق.. يجب ألا نغفل جهاد من ناضلوا من أجل الثورة وتداولوا علي السجون منذ الاستقلال، من قوميين ونقابيين وليبراليين وشيوعيين»، مشيرا إلي ما يعرف في تونس ب «وثائق وأرضية ائتلاف 18 أكتوبر 2005»، وهو تحالف واسع ضم أغلب القوي اليسارية والقومية والنقابية والشخصيات المناضلة ضد الاستبداد في عهد زين العابدين بن علي، اضافة إلي الإسلاميين بعد تأكيدهم الإيمان بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة والاحتكام لصندوق الانتخاب طريقا للوصول للحكم ودفاعهم عن حقوق المرأة. ويلفت النظر أن حزب النهضة بالرغم من ضمان الأغلبية في حال تحالفه مع حزبي المؤتمر من أجل الديمقراطية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (141) مقعدا من 217) لكنه يسعي لضم قوتين هما «الحزب الديمقراطي التقدمي»، وتحالف القطب الديمقراطي الحداثي حول حزب التجديد (الشيوعي سابقا)، إضافة إلي حزب العمال الشيوعي التونسي. كما أعلن الغنوشي الالتزام بالحفاظ علي المكاسب التقدمية للمرأة التونسية، وقال «تجدد النهضة التزامها لنساء تونس بتقوية وتفعيل دورهن في صناعة القرار السياسي بما يمنع الارتداد عن مكاسبهن.. وبالتأكيد سيكون للمرأة حضور في الحكومة المقبلة، وسنعمل علي أن تمثل المرأة المحجبة وغير المحجبة لتعكس واقع تونس.. النهضة لن تغير من نمط الحياة عن طريق الدولة، سنترك للناس حقوقهم فيما يلبسون ويأكلون ويشربون، هذا ليس شأن الدولة.. النهضة لا تريد تحويل الناس إلي منافقين، وأحب إلينا أن نري وجوها عارية من أن نري وجوها منافقة». بينما جماعة الإخوان في مصر تدعو عمليا لدولة دينية وتميز ضد النساء والأقباط، ورفعت- مع السلفيين- في جمعة لم الشمل شعارات الدولة الإسلامية وتأييد أسامة بن لادن، وهاجمت الليبراليين والعلمانيين..إلخ. واختارت تونس بعد الثورة استمرار الحكم المدني، وانتخاب المجلس التأسيسي لوضع الدستور ثم انتخاب البرلمان ورئيس الدولة، بينما تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطتين التشريعية والتنفيذية في مصر بعد الثورة، ورفض ما اجمعت عليه القوي والأحزاب الديمقراطية في مصر من وضع الدستور أولا، وأصر علي الانتخابات لمجلسي الشعب والشوري أولا ليختارا بدورهما لجنة وضع الدستور، ولم يحدد موعدا لانتخاب رئيس الجمهورية وانتهاء الفترة الانتقالية. وعلي عكس تونس التي اختارت نظام الانتخابات بالقائمة النسبية، وهو النظام الذي طالبت كل الأحزاب والقوي السياسية بتطبيقه في مصر، لجأ المجلس العسكري إلي اقتراح نظام هجين يجمع بين القائمة النسبية والفردي، بدأ بثلثين فردي وثلث قائمة، ثم مناصفة بين الفردي والقائمة، وأخيرا ثلثين قائمة (332 مقعداً) وثلث فردي (166 مقعداً). وهناك توقعات بعودة فلول الحزب الوطني إلي مجلس الشعب لعدم صدور قانون للعزل السياسي بعد الثورة مباشرة، ووجود مرشحين لهم في أغلب قوائم الأحزاب والائتلافات. ويعاني تيار الإسلام السياسي في مصر من التنافس بين جماعة الإخوان المسلمين، التي تتصرف بكبر وغرور وتعال منذ الثورة وتأثيرها الواضح علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وبين الاحزاب والتيارات السلفية. من هنا يثور التساؤل.. هل يمكن أن تحقق الانتخابات القادمة في مصر أهداف ثورة 25 يناير، أم ستكون دعما للنظام القديم الذي مازال قائما بالرغم من الثورة؟!