يسري خميس أهدي الروائي الكبير الراحل «عبدالرحمن منيف» أحد كتبه إلي المسرحي الراحل سعدالله ونوس فقال: إلي سعدالله ونوس الذي حكم علينا بالأمل، تذكرت هذا الإهداء وأنا أتلقي بلوعة وألم وحسرة خبر موت الصديق العزيز الغالي الشاعر والكاتب والمترجم والطبيب والأستاذ الجامعي الدكتور يسري خميس، لأنه هو أيضا حكم علينا بالأمل. فقد كانت حياته من الغني والتعدد، بما يغلق أمامه أبواب اليأس رغم تراكم أسبابه، ورغم تعلقه الحميم بأدب الكاتب الألماني «فرانز كافكا» وعالمه السوداوي الموحش، الذي أحالته ترجمة د. يسري لأعماله التي ظل ينقب عنها إلي آخر يوم في حياته إلي عالم آسر ملئ بالسحروالغموض، بسبب القالب اللغوي الشعري، الذي نقلت إليه من اللغة الألمانية الأم التي كان يتقنها، لتقديمها للقارئ العربي، الذي لم يكن يعرف بالقدر الكافي، أدب كافكا. وفي بلد تتضاءل فيه التقاليد المسرحية الراسخة، حرص يسري خميس علي أن يقدم للمسرح المصري شعرا ونثرا عددا من أهم المسرحيات العالمية لدربتمات وبريخت وبيترفايسن، لأنه كان يؤمن بأن المسرح هو مدرسة للتعليم والتحريض والتثقيف، لا تفوقها أي أداة تثقيفية أخري، لأن الجمهور كما كان يقول يصبح طرفا أصيلا في كل عمل مسرحي. لم يكن يسري خميس سياسيا بالمعني الضيق لهذا المصطلح، لكن ترجماته وشعره وكتاباته النثرية قد التقطت بعفوية واعية، أن الفقر والهيمنة والاحتلال والقبح هي معاول هدم، وأعداء دائمين لخير البشر وسعادتهم، وبرغم من أنها قوي عاتية، فقد كان لا يفقد الأمل أبدا في أنها مؤقتة وزائلة برغم سطوتها. لا أدري هل كانت روح يسري خميس الشفافة الناعمة، وبساطته الزاهدة، وصدقه الطفولي هي التي دفعته إلي دراسة الطب البيطري، ليصبح واحدا من أهم الجراحين البيطريين في مصر؟ أم هو التعامل مع الحيوانات هو الذي أكسبه تلك الروح الحانية الأليفة، التي يتغني بها تلاميذه من الأطباء البيطريين الذين تعلموا علي يديه كأحد أهم أساتذة الجامعة في كلية الطب البيطري، والذين يعملون الآن في مختلف المواقع؟ أعتقد أن الإجابة تكمن في العاملين معا، فقد روي لي بفرح طفولي غامر كيف استطاع أن يعالج كلبا، كان لدي رئيس الجمهورية الأسبق «اللواء محمد نجيب» ويستخرج من أحشائه ورما كبيرا، وكيف بكي محمد نجيب لأن خطر الموت قد زال عن «صديقه الوفي»، ثم حكي بألم وتأثر بالغين كيف رأي حياة التقشف وشظف العيش التي كان يعيش فيها الرئيس الذي عزله قادة ثورة يوليو عن موقعه، ثم أهملوا شئونه. عرفت يسري خميس بعد عام واحد من نكسة يونيو 1967، حيث كان المستقبل متخما بالأسئلة وبأكثر الاحتمالات سوءا، عرفني إليه عالم الاجتماع الراحل الصديق الدكتور علي فهمي، كان الشعر والفن والأدب والمسرح هو الحاضر الدائم في كل لقاءاتنا بفضل ما يختزنه يسري من حيوية دائمة، وربما بإدراك مرهف منه، أنه عبر الفنون والآداب، نستطيع أن نتلمس الطرق للإجابة عن الأسئلة الملتبسة واجتياز ما هو أسوأ. تخسر الساحة المسرحية والأدبية كثيرا برحيل «يسري خميس» وأخسر علي المستوي الشخصي صديقا حميما، يحزنني أبلغ الألم أنني لم أتمكن من أن أودعه، لكن عزائي الوحيد أن من هم مثل «يسري خميس» لا يغيبون أبدا، حتي لو تواروا عن الأنظار، لقد أعطي إنتاجه الأدبي، وممارساته السلوكية نموذجا يصعب أن ينسي، للتفاني الصادق المخلص، فيما ينفع البشر، ويبعث علي سعادتهم، ويحفزهم دوما علي مواصلة الحياة وهم مثله محكومون بالأمل.