«انتفاضات أم ثورات في تاريخ مصر الحديث» أحدث إصدارات المفكر د. محمد حافظ دياب والصادر عن دار الشروق - وفيه يحلل مجموعة من الثورات الشعبية التي كان لها أكبر الأثر في الحركة الوطنية المصرية من منظور اجتماعي وثقافي ينحاز إلي تأثير الشخصية المصرية في تكوين الحدث، معليا من شأن الذاكرة الشعبية في تأريخ تلك الثورات والهبّات الاجتماعية، مؤكدا في البداية أن الحركة الوطنية المصرية جاءت عبر سلسلة متواصلة بداية من مقاومة الحملة الفرنسية مرورا بملحمة رشيد 1807 والثورة العرابية 1881، وثورة 1919، وثورة يوليو 1952 وأحداث عام 1977، منوها بأدبيات تلك الثورات ومنها كتابات شيخ المؤرخين عبدالرحمن الجبرتي حول مقاومة الفرنسيين، وأشعار إسماعيل الخشاب عن ملحمة رشيد، وكتابات وخطب عبدالله النديم عن الثورة العربية، وأشعار بديع خيري عن ثورة 1919، وأعمال شهدي عطية التي مهدت لانتفاضة 1946، وكتابات محمد مندور التي سبقت ثورة يوليو 1952. في الفصل الأول تتبع المؤلف كلمة «ثورة» ليفرق بينها وبين «الانتفاضة» و«الانقلاب» و«الهبة»، فكلمة «ثورة» - كما يري - كانت في الأصل مصطلحا فلكيا، اكتسب أهميته المتزايدة من خلال أعمال «كوبرنيكوس» وعني بها الحركة الاعتيادية للنجوم، وقد استخدمت الكلمة لأول مرة في المعجم الإنجليزي عام 1660، بعد عودة سلطة الملكية، وهو ما يشير إلي أنها كانت تعني إعادة السلطة لتتحول دلالتها رويدا بعد ذلك إلي الحركات التي تستهدف تغييرا اجتماعيا راديكاليا، ونمطها الكلاسيكي الأشهر هو الثورة الفرنسية. أما الانقلاب فهو عملية منظمة لقلب نظام الحكم بالقوة لاستبدال سلطة بأخري - ما يعني أنه يستهدف إعادة توزيع السلطة السياسية وتغيير قادتها، ويقوم به في العادة فصيل من المؤسسة العسكرية، ومثاله في مصر «ما تعرف عليه بثورة يوليو 1952». أما الانتفاضات فهي شكل جنيني للثورة، يعتمد علي القوة الجماهيرية حين تصل معاناتها إلي درجة لا يمكن تقبلها، ويستهدف التأثير علي السياسات الحكومية ويتميز هذا الشكل الاحتجاجي بطبيعته الجماعية، وقدرته علي استيعاب كل أشكال المقاومة، وانتشاره في مناطق كثيرة، من خلال تجمعات ومؤسسات أهلية مدنية، مما يزيد من قدرتها علي التعبئة لاعتمادها علي الإرادة الجماعية. الغزو الفرنسي ويتناول الفصل الثاني «مقاومة الغزو الفرنسي 1898 - 1801» والذي كان مفتتحا للغزوات الاستعمارية علي الأراضي العربية، ويشير د. دياب إلي انقسام الرؤي حول تأثير الحملة الفرنسية علي مشروع النهضة المصرية فقد رأي عدد من المثقفين المصريين والعرب ومنهم «جورجي زيدان، وعبداللطيف حمزة، وعبدالرحمن الرافعي، ومحمد أنيس، وعبدالرحيم عبدالرحمن، وجمال الدين الشيال، وألبرت حوراني، وعبدالمنعم ماجد، وكمال عبداللطيف» أن في هذه الحملة صدمة حضارية للمصريين، وقدمت نموذجا للتحديث، عندما جاءت لتجد مصر في حال من التخلف والخراب علي جميع المستويات. أما وجهة النظر الأخري التي تؤكد وجود إرهاصات داخلية ملموسة في بنية الشعب المصرية لنهضة مصرية قبيل قدوم الحملة فهذا ما تشير إليه دراسات مؤرخين أجانب ومصريين منهم «أندريه ريمون، ومكسيم ردونسون، ونيللي حنا، وزكريا الشلق، ومحمد عفيفي، وناصر عثمان، وصبري العدل» حيث يري «أندريه ريمون» أن مصر لم تكن بلدا هامدا أيقظه بونابرت، وتحدثت نيللي حنا عن حركة تجارية بدأت في الازدهار بمصر منذ القرن السادس عشر. ويري د. محمد حافظ دياب أنه كان من شأن مغادرة الحملة لمصر، سقوط زعمها القائل إنها صاحبة «رسالة حضارية» اقتضت ذات يوم ضرب هرم خوفو، وفي يوم آخر ضرب الجامع الأزهر، ما يعني أن «التحديث الفرنسي» لم يكن له أي علاقة بالمجتمع المصري أو شعبه، فيما كان يعد الوسائل الكفيلة بإخضاع البلاد علي أحسن الوجوه، من الإدارة إلي الصحة إلي المطبعة إلي كتيبة العلماء. ثم جاءت المقاومة الشعبية لحملة فريزر عام 1907 من أهل رشيد لتكتب ملحمة مصرية خالصة بقيادة علي بك السلانكي ولقبه لدي الرشايدة علي بك الشجاع ومعه الشيخ حسن كريت نقيب الأشراف في رشيد وزعيم المقاومة الشعبية بها، وقد بلغت خسائر الإنجليز في هذه المعركة حوالي 170 قتيلا، و250 جريحا و120 أسيرا سيقوا إلي القاهرة وقد شهد الأهالي موكب الأسري وهو يشق شوارع القاهرة ولعل المفارقة الغريبة أن هذا النصر الشعبي كان المستفيد الأكبر منه هو محمد علي وجيشه، وهذا ما يؤكده الجبرتي بقوله: «وليت العامة شكروا علي ذلك، أو نسب إليهم فضل، بل نسب كل ذلك للباشا وعساكره، وجوزيت العامة بضد الجزاء بعد ذلك». ويري د. دياب أن محمد علي استطاع أن يستثمر هذا النصر، الذي «رفع ذكره في العالم الإسلامي كرجل استطاع وحده مقاومة أقوي دول أوروبا»، فأرسل المبشرين من رجاله إلي الأستانة يبلغها أنباء هذا النصر، وبعث معهم كتابا يصف فيه هذه الحرب مع الإنجليز بما يشاء، وقطع آذان القتلي منهم فدبغت وملحت، ووضعت في صندوق أرسله إلي الأستانة مع هؤلاء المبشرين، ومعهم أسيران من كبار الأسري، وهو ما دفع الباب العالي إلي السماح له بتوسيع سلطته لتشمل ثغر الإسكندرية. جهاد متعدد ويأتي الفصل الرابع المعنون ب «الجهادية والوطنيون» ليتحدث عن الثورة العرابية والتي جاءت بعد تصاعد مظالم الفلاحين من كبار ملاك الأراضي الأتراك ومظالم طوائف التجار والحرفيين من المنافسة الأوروبية، وشكاوي الضباط المصريين من هيئة القيادة الجركسية، وتوازي مع هذه المظالم، تصاعد الامتيازات الأجنبية، وشطط الخديوي وممارسة القسوة في جمع الضرائب، وازدياد بنوك الإقراض. أما ثورة 1919 فيصفها د. حافظ دياب بأنها «ثورة لكل المصريين» وهي ثورة شعبية قادها المثقفون وشاركت فيها النساء والطلاب وكل تيارات الشعب المصري. ثم يتحدث د. ياب عن «انتفاضة الطلبة عام 1935 والتي بدأت في 13 نوفمبر 1935 حيث أضربت المدارس والكليات، وخرجت المظاهرات تهتف: «نحن فداؤك يا مصر.. فليسقط الاستعمار.. فليسقط تصريح هور» وانطلقت رصاصات الاحتلال البريطاني لتقصف المتظاهرين، وعقب الأحداث الدامية عقد الطلبة مؤتمرا عاما بأحد مدرجات كلية الطب، نادي بإعادة دستور 1923. كما يتطرق المؤلف إلي «هبة الجياع 1977» متحدثا عن الآليات الأربعة الأساسية التي مهدت لها وهي: «التنظيمات الطلابية» و«الانفتاح الاقتصادي» و«التعددية الحزبية» و«الطلائع الأدبية».