زينة الأمة المصرية لا أدري من أين اكتسب أبنا الدكتور محمد مرسي القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، ورئيس حزبها حزب الحرية والعدالة، كل هذا الصلف والغرور والاستقواء الذي دفعهما للاعتداء علي ضابط شرطة مرور بالشرقية، لمجرد أنه كان ينبهما أن السيارة التي يستقلانها تقف في الممنوع، فراحا يسبانه ويوجهان له اللطمات قبل أن يوجها إليه تهديدا في شكل سؤال: أنت مش عارف بتكلم مين؟ العنف الذي مارساه ضد الضابط دفع الأهالي من المارة للتدخل لإنقاذه من سيل الإهانات والغلظة والتطاول التي لم تستطع كرامة الضابط تحملها فانهمر في بكاء مرير وفي قلب هذا المشهد المزري والمخجل معا، أصر المارة علي اقتياد الابنين إلي قسم الشرطة. هذه جريمة متكاملة الأركان تشكل اعتداء علي موظف عام أثناء تأدية وظيفته، ولا يصلح معها الأخبار التي يتم تداولها عن صلح عرفي بين الضابط والشابين، تعرض خلاله الأول لضغوط شديدة من رؤسائه للقبول به، بل ينبغي علي السلطات المعنية أن تتمسك بمواصلة التحقيق في هذه الواقعة الخطيرة، تمسكا بحق المجتمع، إذا كنا حقا نريد للشرطة أن تعود لخدمة الشعب تحمي أمنه واطمئنانه، وتصون حقوقه وممتلكاته، وتكافح الجريمة، والفوضي التي يبدو أن البعض يريد لها أن تصبح حالة دائمة، وإذا كنا نسعي أن يكون هذا المشهد المظلم البائس في العلاقة بين رجل الشرطة والمواطنين هو الأخير من نوعه، وأنه لن يكون بوسعه أن يتكرر مرة ثانية. كنا في طفولتنا نغني: يا عسكري يابو بندقية، يا زينة الأمة المصرية، فرحا بطلة الشرطي في الشوارع والحارات والزوايا، وأحببنا «الشاويش عطية» الذي كان يجسد دوره الفنان «رياض القصبجي» في أفلام إسماعيل يسن بطيبته وفطرته السليمة وعفويته، وقدرته الدائمة علي التحمل التي اكسبته دوما محبة الناس وحتي الخارجين منهم علي القانون- الذين وجدوا في انصياعهم الكامل لأوامره، واجبا مقدسا. عودة الأمن بكامل لياقته وعدته لممارسة دوره ليست مهمة وزارة الداخلية فقط، إنها ايضا مهمة المجتمع بكل مؤسساته ومنظماته وأحزابه، بنشر ثقافة مغايرة لرجل الشرطة بعد ثورة 25 يناير، تحترم دوره المهم الحيوي، وتنصاع لأوامره طالما يؤدي هذا الدور في إطار القانون والدستور، وبوعي كامل بأن المجتمع كله يخسر، في غيبة هذا الدور، أو في التقليل من شأنه أو الاستهانة بافراده، وبأن كرامة رجل الأمن هي من كرامة هذا المجتمع، لا ينبغي جرحها، أو تحميله أعباء نفسية فوق أعباء مهنته الشاقة. لقد بدأت بوادر عودة الأمن إلي الشارع المصري تلوح في الأفق، في الضربات الأمنية الناجحة في إزالة التعديات والاشغالات والأسواق العشوائية، وإعادة الانضباط إلي حركة المرور، وفي الكشف عن مرتكبي حادث الفنانة بسمة ود. عمرو حمزاوي ورد المسروقات والسيارة إليهما، بعد نحو شهر فقط من وقوعه وسرعة الكشف عن قاتلي المواطنة الألمانية وسرقة مشغولاتها الذهبية، وإعادة أطفال تمت سرقتهم إلي ذويهم. هذه النجاحات وغيرها هي أخبار سارة جدا تبعث علي الثقة، في عزم السلطة التنفيذية علي إصلاح الخلل الذي أصاب جهاز الشرطة خلال الأشهر القليلة الماضية، لكن المؤكد أن هذا العزم لن يكون بمقدوره مواصلة النجاح، إذا لم يتعاون المواطنون من أجل احترام القوانين، والحفاظ علي هيبة الدولة ، واحترام ممثلي مؤسساتها المختلفة، وفي القلب منها رجال الشرطة، الذين يفقد كثيرون منهم الثقة في أنفسهم، من جراء المعاملة الفظة والغليظة التي يتعرضون لها من قبل بعض المواطنين، والإهانات شبه اليومية التي تطولهم، بعد أن ساءت أخلاق الناس بشكل وحشي خلال الشهور الأخيرة، وساد ما يسمي بعدالة الشوارع التي ينزع خلالها الأفراد بأخذ حقوقهم بأنفسهم بعيدا عن القانون والقضاء. المؤكد أيضا أن كرامة الشرطي لن تكتمل دون إعداد كادر مالي إداري جديد لكل العاملين في جهاز الشرطة، يكفل لهم رواتب مجزية، تتوازي مع ما يبذلونه من جهد شاق في حفظ الأمن العام، وتضمن لهم حياة كريمة، تحميهم من غواية المال والرشوة وفرض الإتاوات، وتضفي عليهم الهيبة التي يحوزها كل صاحب سلطة، كي يصبح الحادث المشين لنجلي القيادي الإخواني، هو الأخير من نوعه قولا وفعلا.