إذا كان د. يوسف والي مثالا نموذجيا لمسئولي العقود الأربعة الأخيرة. بممارساته المدمرة لزراعة مصر وأمنها القومي، فهناك - وأيضا من مسئولي ذلك العهد الطويل والمرير- من هو نموذج مشرف علي كل المحاور الوطنية والعلمية والمهنية.. كالدكتور مصطفي الجبلي كعالم جليل كرس علمه لصالح وطنه وشعبه، وكوزير أسبق للزراعة حاول أن يجعل من الزراعة - ذلك النشاط المجتمعي المهم الذي كان المصريون القدامي أول جماعة بشرية في العالم تكتشفه وتمارسه- محورا رئيسيا للتنمية الوطنية. تدرج - وظيفيا - من مدرس بمدرسة دمنهور الثانوية الزراعية، إلي رئاسة قسم علم الأراضي بكلية زراعة الإسكندرية، الذي كان له الفضل الرئيسي في انشائه، إلي أن تولي مسئولية وزارة الزراعة عام 1971. وضع فور توليه مسئولية الوزارة، استراتيجية لمستهدفات وحركة الزراعة التي كان علي رأسها «تحقيق الاكتفاء من محاصيل الغذاء الرئيسية وفي مقدمتها القمح، ليس فقط لصالح الفلاحين من زارعيه. بل ايضا- وأساسا- لتوفير رغيف الخبز للمصريين دون اللجوء إلي الخارج بما يحمي مصالح مصر الاقتصادية من ناحية، ويصون أمنها القومي من ناحية أخري وأهم. تصدي - بجسارة - لسياسات النظام الحاكم الرامية إلي ربط الزراعة المصرية بالسياسات الخارجية - وخاصة- الأمريكية وإصراره علي استقلالية توجهنا الزراعي. رفضه - وكشفه- لما يسمي «المعونات الزراعية والغذائية الأمريكية لمصر» ، مؤكدا أنها- بالإضافة إلي عودة الجزء الغالب منها إلي أمريكا مرة أخري تحت مسميات أجور ومكافآت الخبراء والعاملين الأمريكيين - المفروضين علينا- فهي شديدة الإضرار بإنتاجنا الزراعي المحلي وبقرارنا السياسي المستقل. كان من تلاميذ مدرسته الوطنية في الزراعة، المهندس أحمد الليثي الذي حاول أن يسير علي منهجه في حماية الزراعة المصرية من التغول الأمريكي، فكان جزاؤه - المنطقي أن قام نظام حكم التبعية والفساد بعرقلة مخططاته ثم الاطاحة به من علي كرسي الوزارة بعد سنوات معدودة.