«الإسلام في عصر العلم» هو أهم مؤلفات الكاتب الإسلامي محمد فريد وجدي الذي عمل كرئيس تحرير لمجلة الأزهر لبضع سنوات، وله العديد من المؤلفات ذات طابع ديني ووثائقي، ومن أهم كتبه كتاب «كنز العلوم واللغة»، وله كتاب مهم بعنوان «صفوة العرفان في تفسير القرآن». كما أن له كتابا في شرح مبادئ الإسلام ورد الشبهات عنه اسمه «الإسلام دين عام خالد» تميز بين ابناء عصره فكان له العديد من الآراء والمناقشات حول أهم القضايا الدينية والسياسية والفلسفية والتي استفاد منها الفقهاء أمثال الإمام محمد مصطفي المراغي (شيخ الازهر سابقا) ود. رجب بيومي (مفكر إسلامي) ود. عبد الحليم محمود (شيخ الازهر سابقا)، كما قال عنه العقاد في كتابه «رجال عرفتهم» : «هو فريد عصره غير مدافع» . تميز بصبغة فلسفية وعلمية في دعوته للإسلام وهو ما يتضح في كتاباته فضلا عن رأي معاصريه فيه، وهذا ما يعرضه لنا في كتاب «الإسلام في عصر العلم» في محاولته للربط بين الإسلام والعلم والفلسفة، ورد الاتهامات الزاعمة بأن الإسلام دين رافض للعلوم والتقدم وفي الوقت نفسه يلقي باللائمة علي المسلمين أنفسهم الذين تركوا لاإسلام الفطري سالكين دربا آخر تشوبه البدع والمستحدثات فانحرفوا عن الرسالة الأساسية للإسلام وهي الارتقاء بشأن الإنسان والبشرية جميعا. ينقسم الكتاب في جزئه الأول إلي أربعة أقسام رئيسية (الإنسان- المدينة - ما وراء المادة- حياة خاتم المرسلين صلي الله عليه وسلم)، ويثير في كل منها القضايا التي تؤرق الإنسان وتشغل باله مثل أسباب شقائه وأسباب تأخره وكيفية العودة إلي سبل التقدم، فمثلا، في أحد الفصول يتحدث عن علاقة العلم بالدين وعن الأسباب التي تجعل المتعلمين يتركون الدين ويهربون من كل ما به رائحة الدين، كما يرد بقوة علي من يدعو إلي مدينة بلا دين. أهم ما يميز أسلوب محمد فريد وجدي أنه لا يضغط بأفكاره علي القراء، فكلماته تمر علي العقول كالومضات التي تنيرها من خلال فلسفته واسئلته التي تنتقل بك من دور القارئ إلي دور المفكر والباحث، فيتساءل، ما هو الدين؟ وهل يمكن أن يعيش الإنسان بلا دين؟ ما هي المدينة الإسلامية وما هي المدينة الحديثة؟ وتحدث عن العلاقة بين الفضيلة والدين وعن ارتباطهما بتقدم وتأخر الأمم ، وهل الأولي مستمدة من الثانية أم الثانية مستمدة من الأولي؟ وقسم النفوس البشرية إلي ثلاثة أنواع : نفس مستعدة للايمان بالفطرة، ونفس كافرة بالفطرة، ونفس جامدة بالفطرة، وتحدث عن تأثير كل منها. كل هذا في اسلوب فلسفي شائق، مستعينا بالقرآن واقوال الشعراء وفلاسفة الغرب مثل افلاطون وارسطو وبيرون وفيثاغورس وغيرهم من باحثين ومفكرين من العالم كله. تميز محمد فريد وجدي بعدم انفصاله عن أي من العوالم حوله. فربط الشرق بالغرب، والفلسفي بالمادي والملحد بالمؤمن، في محاولة للوصول إلي غاية الإسلام الأولي وهي الارتقاء بالأمم، جاعلا من نفسه جنديا مجهولا، مطوعا لكل ما يملك من علوم لخدمة هذه الغاية. والآن ترن في مسامعنا كلماته كلما تذكرناه حين قال : «إن كلينا يحارب في جبهة واحدة.. هي الجبهة الإسلامية، وإن كنا نحاول الرفق مع خصوم الإسلام لنستدرجهم إلي سماع ما نقول، فإن الرفق بأصحاب الاتجاه الواحد ادعي والزم».