أوباما ومأزق السياسة الأمريكية أتم الرئيس أوباما عامه الأول في الحكم في يناير الماضي. وفي خطابه عن حالة الاتحاد أمام الكونجرس، خاطب منتقديه قائلا: علينا أن نفعل ما هو صواب، بصرف النظر عن الحسابات السياسية. وشن أوباما هجوما شديدا علي الحزب الجمهوري الذي يعارض بشدة خطته لإصلاح نظام الرعاية الصحية. وخلال الأسابيع الأخيرة صارت قضية إصلاح نظام الرعاية الصحية تحتل المرتبة الأولي في ساحة الجدل العام. فالجمهوريون يعارضونها بشدة، والديمقراطيون ليسوا جميعا علي قلب رجل واحد. ووسط هذا الجو، يبذل أوباما جهودا مضنية لتمرير خطته لإصلاح نظام الرعاية الصحية من خلال الكونجرس ليصبح قانونا في أقرب وقت. فقد زار عدة ولايات وأدار حوارا مع الجمهوريين حول الموضوع استمر ست ساعات كاملة بحثا عن مخرج. لكن بلا جدوي. فما زال الخلاف علي أشده بين الطرفين. فالجمهوريون يقولون إن الخطة تعطي الحكومة السيطرة علي الإنفاق علي الصحة الذي يمثل 16% من الناتج المحلي الإجمالي وتزيد عجز الموازنة والدين العام. والديمقراطيون يقولون إن معارضة الجمهوريين لمشروع أوباما سببها الحقيقي أنهم يعملون لحساب شركات التأمين الصحي ذات القوة والسطوة المالية الجبارة. والشعب الأمريكي هو الخاسر الوحيد- حيث يقدر أن حوالي 35 مليون أمريكي من الفقراء وكبار السن والعاطلين عن العمل يكابدون الحياة بلا تأمين صحي من أي نوع. وإذا أصاب أحدهم مرض أو تعرض لحادث، فعليه أن يختار بين بيع ممتلكاته أو الاستسلام لما تأتي به المقادير. وبعد سنة تحت حكم أوباما، بدأ بعض الأمريكان الذين تحمسوا له وعملوا بكل طاقتهم لانتخابه رئيسا يراجعون مواقفهم. مثل تلك السيدة التي تصادف أن جلست مع زوجها إلي جواري في الطائرة. لقد قالت إنها تشعر بالندم لأنها تركت عملها وتطوعت للعمل من أجل إنتخاب أوباما .. ولكنها الآن تحس أنه قد خذل أنصاره. فقد رفع شعار التغيير ولكن لم يتغير شيء علي الصعيد الداخلي. فما زال معدل البطالة عند أعلي مستوي له منذ الثمانينيات من القرن الماضي (حوالي 10%)، ومازالت المؤسسات المالية والبنوك المسئولة عن الأزمة تعمل بلا ضوابط .. والأوضاع الإقتصادية لعامة الأمريكان صعبة للغاية ، خصوصا وقد فقد مئات الآلاف من الأسر منازلهم بعد انفجار فقاعة الرهن العقاري، وبعد أن فقد حوالي 4 ملايين منهم وظائفهم وتحولت أعداد إضافية إلي أعمال مؤقتة بعد الوظيفة الدائمة. لقد تدهورت أحوال الطبقة الوسطي وزادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء أكثر من أي وقت مضي منذ أزمة الكساد العظيم قبل نحو ثمانين عاما. وتصاعد الدين الفيدرالي إلي معدل مائة ألف دولار لكل أسرة. واضطرت الولايات إلي خفض الإنفاق علي الخدمات الأساسية (علي سبيل المثال إتخذ مجلس المدارس في ولاية تكساس الغنية بالبترول قرارا منذ أيام بإغلاق عدد من المدارس في الولاية وتسريح المدرسين وزيادة كثافة الفصول). ورغم أن أوباما قد ورث هذه التركة المثقلة عن سلفه جورج دبليو بوش، فإن الديمقراطيين قد يدفعون الثمن بفقدان أغلبيتهم الحالية في الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر القادم بعد أن خسروا مقعد ولاية ماساتشوستس الذي إحتفظوا به لأكثر من أربعين عاما، وقبله خسروا مقعدي فرجينيا ولويزيانا، بل إن ولاية نيوجيرسي المعروفة بميلها للديمقراطيين، صوتت لصالح المرشح الجمهوري لمنصب حاكم الولاية، وخسر الحاكم الديمقراطي منصبه رغم تأييد أوباما الشخصي له. وكل ذلك يصعب مهمة أوباما لتمرير مشروعاته للتغيير خلال النصف الباقي من ولايته.