عن عمر يناهز التاسعة والثمانين رحل القارئ الشيخ أبوالعينين شعيشع شيخ مشايخ المقارئ المصرية، والذي عاصر الجيل الذهبي من قراء القرآن الكريم الذي استمع لهم واستفاد منهم وتعلم علي أيديهم أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفي اسماعيل والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي الذي تأثر به «شعيشع» كثيرا في اسلوب تلاوته وكان يعتبره مثله الأعلي. وقد حقق الراحل شهرة واسعة مع أبناء جيله من القراء الكبار محمد صديق المنشاوي ويوسف كامل البهتيمي وعبد الباسط عبد الصمد ومحمود علي البنا، ومحمود الحصري، الذين جمعوا بين حلاوة الصوت والتمكن في التجويد، ساعدهم في ذلك استفادتهم وحبهم لفن الموسيقي فمعظمهم كان لا يري غضاضة في دراسة هذا الفن لصقل مواهبهم الصوتية النادرة. بدأ الشيخ «شعيشع» رحلته مع قراءة القرآن في الاذاعة المصرية مبكرا عام 1939 وهو في السابعة عشرة من عمره، ومن هنا كانت انطلاقته الحقيقية إلي العالمين العربي والإسلامي. وقد استمر قارئا لمسجد السيدة زينب لأكثر من خمسين عاما وتتلمذ علي يديه عشرات من القراء، وفي الثمانينيات من القرن الماضي اختير عميدا للمعهد الدولي لتحفيظ القرآن الكريم، وعلي مدار ستين عاما كان عضوا دائما بلجنة اختيار القراء بالاذاعة المصرية، وعضوا للجنة العليا للقرآن الكريم بوزارة الأوقاف. وكان منهجه في الحياة قائما علي الوسطية والاعتدال، وكان دعاؤه الدائم : «يارب لا تحرمني من خدمة كتابك حتي ألقاك» وقد استجاب الله دعوته، فجعله سفيرا للقرآن في كل مكان سافر إليه. كان الشيخ «شيعشع» حتي أيامه الأخيرة حريصا علي تبني الأجيال الجديدة وتحفيظهم القرآن الكريم لأنه كان يري أن للقرآن دورا رئيسيا في بناء النفس الإنسانية وتأكيد معالم الشخصية الإسلامية المتسامحة. وبرحيل الشيخ «أبو العينين شعيشع» تنتهي صفحة الجيل الذهبي من القراء الذين تعلق بتلاوتهم المستمعون منذ نشأة الاذاعة المصرية في الثلاثينيات من القرن الماضي والذي وصفهم الكاتب الراحل محمود السعدني بأنهم «أصوات من السماء».