صفقة القاهرة والدوحة في مفاجأة من العيار الثقيل، وقبل ساعة واحدة فقط من انعقاد المجلس الوزاري للجامعة العربية الذذي يضم وزراء الخارجية العرب مساء الأحد الماضي، سحبت كل من القاهرة والدوحة مرشحيهما لمنصب الأمين العام للجامعة العربية د. مصطفي الفقي وعبد الرحمن العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي، وتوافقتا علي أن ترشح مصر وزير خارجيتها الدكتور نبيل العربي، ليكون مرشحا توافقيا للطرفين، وللدول العربية مجتمعة. وطبقا لما رشح من أنباء، فإن المرشح المصري مصطفي الفقي كان يحوز تأييد 12 دولة عربية، فيما يحوز العطية علي تأييد 9 دول، ولم يكن موقف الدولة الثانية والعشرين من دول الجامعة قد تم حسمه بعد، وهو ما فتح الباب لاحتمال تأجيل انتخاب بديل للأمين العام الحالي «عمرو موسي» الذي تنتهي ولايته الشهر القادم، إلي أجل غير مسمي، حتي يتم التوافق بين الدول العربية علي مرشح آخر، في ضوء حقيقة أن الذي يفوز بالمنصب، ينبغي أن يحصل علي ثلثي عدد الأصوات، أي ما يوازي موافقة 14 دولة، وهو ما بدا مستحيلا أن يحققه أحد المرشحين. دوائر ذات صلة أكدت أن اتفاقا بهذا المعني تم خلال زيارة أمير قطر مؤخرا إلي مصر مع قادة المجلس العسكري، وأن الاتفاق علي هذا التغيير، قد تم بين رئيس الوزراء القطري ود. نبيل العربي قبل ساعتين من انعقاد الاجتماع. وكانت الحكومة السودانية قد قادت حملة ضد ترشيح د. مصطفي الفقي، الذي نسبت إليه قوله في ندوة بالنادي الدبلوماسي، أن الرئيس السوداني البشير يتحمل مسئولية انفصال الجنوب، كما استندت الحكومة القطرية إلي الحملة الداخلية عليه لرفض ترشيحه واختيار آخر لمنافسته كجزء من سياق التوترات التي سادت العلاقة القطرية مع نظام الرئيس السابق مبارك بسبب الدور القطري في عرقلة إتمام المصالحة الفلسطينية في السابق والتدخل في هذا الملف بما كانت الإدارة السابقة تعتبره إفسادا لدورها. وكانت جولة رئيس الوزراء د. عصام شرف الخليجية، وجولة مصطفي الفقي العربية، قد فشلت في الحصول علي تأييد لحسم الموقع لصالح الفقي. وكانت الدول الخليجية قد أبدت انزعاجا من تصريحات وزير الخارجية د. نبيل العربي بشأن تطوير العلاقات المصرية- الإيرانية وهو ما دفع دول مجلس التعاون الخليجي إلي دعوة الأردن والمغرب إلي الانضمام إلي منظومته لتصبح تكتلا يضم الملكيات والعروش العربية، كما دفع دولة الإمارات العربية إلي عقد صفقة مع شركة «بلاك ووتر» الأمنية الأمريكية، لتشكيل قوة من المرتزقة الأجانب للدفاع عنها وتدريب قواتها المسلحة، وهي نفس الشركة التي كان قد سبق اتهامها بالتورط من قبل في قتل 17 من المدنيين في العراق، وهي إجراءات مهما شابها من تخبط، فإنها تعكس هلعا خليجيا مما تعتبره تهديدا إيرانيا لمصالحها وأمنها، وربما ردا علي السياسة المصرية الجديدة في التوجه نحو تحسين العلاقات مع إيران، برغم تأكيد د. العربي ورئيس الحكومة د. عصام شرف وقادة المجلس العسكري، علي اعتبار أمن الخليج خطا أحمر لا يمكن القبول بتجاوزه. خروج د. العربي من موقعه من الخارجية المصرية، ربما يشكل ارتياحا لدي بعض الدوائر الخليجية، لا سيما وموقع الأمين العام للجامعة العربية، هو موقع تنفيذي لمجمل السياسات العربية لا اجتهاد فيه إلا قليلا، كما شكل مخرجا لإبقاء الموقع لصالح مصر، إذا ما هي سحبت مرشحها مصطفي الفقي، الذي قاد تيار الإسلام السياسي الحملة عليه، داخل مصر وخارجها وعلي صفحات التواصل الاجتماعي علي شبكة المعلومات الدولية لابعاده عن تولي هذا الموقع بسبب مواقفه المعروفة الداعية لفصل الدين عن السياسة، والدفاع عن مدينة الدولة، في سياق اتفاق آخر تقبل فيه مصر بتدوير منصب الأمين العام للجامعة، بعد انتهاء الدورة الحالية التي يتولاها د. العربي لمدة خمس سنوات، بعد أن كان العرف السائد، الذي يقبل في القانون الدولي باعتباره قانونا، أن يكون الأمين العام للجامعة مصريا من دولة المقر، وهو ما تحقق خلال خمسة أمناء لها منذ إنشائها، وهم: عبد الرحمن عزام، وعبد الخالق حسونة، ومحمود رياض، وعصمت عبد المجيد وعمرو موسي، باستثناء الفترة التي تم فيها نقل الجامعة إلي تونس، في أعقاب المقاطعة العربية لمصر بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد ، إذ تولي أمانتها التونسي الشاذلي القليبي. خسرت الخارجية المصرية الدكتور نبيل العربي، وكسبته الجامعة العربية، ويظل الأمل معقودا أن يكون خليفته في الخارجية بحجم إنجازه وبحجم كفاءته.