السلفيون يحرزون أهدافا قبل أيام من اغتيال المتضامن الإيطالي مع الشعب الفلسطيني «فيتوريو أريجوني» في منتصف ابريل الماضي جري اغتيال المسرحي الفلسطيني «جوليانو خميس» في مخيم جنين، وفي مطلع مايو قام الجيش الأمريكي في باكستان بقتل «أسامة بن لادن». وهناك وشائج عميقة بين عمليات القتل الثلاثة. وكانت واحدة من الجماعات السلفية الجهادية التي أطلقت علي نفسها اسم «كتائب الصحابي الهمام محمد بن مسلمة قد قتلت «أريجوني» بعد ساعات من اختطافه في غزة حيث أمهلت حكومة حماس ثلاثين ساعة للإفراج عن زعيمها المعتقل لدي حماس هشام السعيدي الملقب بأبي الوليد المقدسي. تتأسس أفكار هذه الجماعات «السلفية الجهادية» علي العودة إلي التراث الإسلامي، والسعي لإنشاء دولة إسلامية بواسطة حرب جهادية ضد الغرب الصليبي الذي يحمي إسرائيل، وقد سبق لهم أن قاموا بالاعتداء علي أماكن عبادة مسيحية في مناطق متفرقة من القطاع، وفجروا مقاهي للإنترنت في غزة باعتبار الإنترنت من اختراع الغرب الكافر، فهم يرون الغرب كتلة واحدة صماء معادية لا مجال فيها للتفاوت والصراع الاجتماعي والسياسي واختلاف الرؤي والأفكار الذي يمكن أن يؤدي إلي مواقف لمنظمات وأفراد يناصرون قضايا الشعوب مثلما فعل «أريجوني»، أريجوني الذي كان قبل مقتله يعد كتابا بعنوان «ابق إنسانا» يسجل فيه تجربته كمناصر للشعب الفلسطيني رغم أنه لا ينتمي لفلسطين جنسية أو دينا. بل قالت أمه بعد مقتله «إن من قتل ابني لا يحب فلسطين ولا ينتمي لها». أما المسرحي «جوليانو خميس» وهو ابن صليبا خميس أحد القادة الفلسطينيين السابقين للحزب الشيوعي الإسرائيلي، فهو الحزب الذي يضم إسرائيليين وفلسطينيين وأمه أرناميز اليهودية التي كافحت ضد الصهيونية وتبرعت بقيمة جائزة نوبل البديلة التي حصلت عليها لتأسيس مسرح الحجر عام 1993، وهو المسرح الذي هدمته آلة القتل الوحشية الإسرائيلية عام 2002 . وقام قتلة ملثمون من الجهادية السلفية في الرابع من ابريل باغتيال الممثل والمخرج السينمائي جوليانو الذي عمل مع شباب مخيم «جنين» رافعا شعار «الفن طريق لبلوغ الحرية» وكان يعد العدة لتدريب 30 ألف شاب وفتاة علي جانبي الخط الأخضر في كل فنون المسرح. وقام القتلة باغتيال هذه الفكرة رافضين امكانية أن يكون هناك مسيحي أو يهودي ضد الصهيونية. وحين قال جورج بوش الابن رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد قصف جماعة «بن لادن» لبرجي مركز التجارة في نيويورك ومقر وزارة الدفاع في واشنطن سنة 2001 إنه سيشن حربا صليبية جديدة ثم قام بغزو أفغانستان كان يطبق فكرة مشابهة للسلفية الجهادية ، فكرة ينقسم العالم بمقتضاها إلي فسطاطين خير وشر. ومن قبل كانت المخابرات الأمريكية ونظم الحكم في السعودية ومصر والإمارات وفرنسا قد مولت وسلحت منظمة «طالبان» التي ولدت القاعدة من رحمها لتحارب الكفار السوفييت، فالعالم ينقسم إلي كفار ومؤمنين، وهي الفكرة نفسها التي بلورتها فيما بعد منظمة القاعدة. أي أن الحرب الكونية في نظر أسامة بن لادن وجماعته هي بين الإسلام من جهة واليهودية والنصرانية من جهة أخري باعتبارهما ديارا للكفر، والإسلام دار الإيمان. يلتقي الجهاديون السلفيون قتلة أريجوني وخميس مع كل من أسامة بن لادن ومنظمة القاعدة والمحافظين الجدد الأمريكيين من المسيحيين الصهاينة عند نقطة واحدة فاصلة هي التقسيم الوهمي للعالم بين الكفر والإيمان، ويضعون في خانة الكفر كل ما هو حديث وديمقراطي وعلماني وتقدمي ويغطون علي الانقسام الأصلي والواقعي بين الامبريالية من جهة والشعوب المكافحة من أجل التحرر من جهة أخري، وبين العاملين المنتجين والكادحين من جهة وهم من كل لون وجنس ودين وبين الذين يستغلونهم ويمصون عرقهم من جهة أخري، وهم بدورهم يأتون من كل لون وجنس ودين. وتدفع الشعوب المكافحة من أجل الحرية والعدالة ثمنا باهظا لهذا التشويه للصراع وهي تفقد فيه بعض أشرف الرجال والنساء، ونتذكر هنا أن جماعات إسلامية تحمل نفس الأفكار في الجزائر قتلت مائتي مثقف من النساء والرجال لأنهم علمانيون ديمقراطيون. ويظل علي القوي التقدمية والمستنيرة في بلادنا، وفي كل مكان من العالم أن تبين للشعوب حقيقة الصراع وأن تبث المعرفة بهذه الحقيقة في كل مكان، فالمعرفة قوة وأداة حاسمة من أدوات الانتصار في معركة الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية في كل مكان سواء ضد الامبريالية والاستغلال أو ضد السلفية الجهادية والتكفير.