أهالي دائرته: زعيماً جاء ورسم طريقاً لمن يريد أن يسير علي دربه رحل في التاسع من ديسمبر العام الماضي واحد من القيادات التجمعية التي أجمع علي نضاله من أجل الطبقة العاملة جميع رفاقه من الذين شاركوا حفل تأبينه في ذكري الأربعين له.. إنه النائب الراحل «محمد عبدالعزيز شعبان» والذي ظل طيلة خمس دورات متتالية نموذجا للنائب المتفاني في خدمة أهالي دائرته حتي أطلق عليه «رجل البرلمان الأول». فقد وصفه «سيد عبدالعال» الأمين العام للحزب بأنه «حدوتة» قضي عمره ينسج بين أبناء الشعب المصري نضاله وأحلامه وكثيرا من الدروس والمواقف التي علي الجميع تذكرها الآن فيما يخص تاريخه النقابي والبرلماني وكان لديه من القدرة علي النفاذ لعقول وقلوب الجميع ما جعله قدوة بين كل أبناء دائرته لنشر المحبة والبساطة في كل شيء يفعله ويضيف «عبدالعال» أنه تلقي من جنازة «شعبان» رسالتين، الأولي عندما احتشد هذا الكم الهائل من النساء والرجال والأطفال في الجنازة ليودعوه ويؤكدوا أنه صارع المرض بإرادة جبارة حتي يسلم أهالي دائرته منطقة الحدائق لعناصر تم تربيتها في حزبه ليظلوا في خدمة الدائرة، وسبقت هذه الرسالة رسالة أخري يوم توديع القافلة التي شارك فيها أهالي الحدائق لأبناء شعب فلسطين وقادها «شعبان» في عربات متهالكة وبسيطة وليست مكيفة كما يتوقع البعض في رحلة سفر طويلة وحمل ما بها علي أكتافه عند معبر رفح ليعطي بذلك رسالة لجميع من يعتبرونه الأب الروحي لهم بالتواضع وخدمة الخير، الأمر الذي يؤكد قدرة «شعبان» علي توصيل ما يريده من رسائله لتحقيق أهدافه ببساطة.. وهكذا جعل من مقعد مجلس الشعب أداة لخدمة أبناء طبقته في مواجهة الحكومة دافعا عنهم ولذلك فدائما كان يكسب معاركه فقد كان فارسا في مواجهة قوانين الحكومة ومالكا لأفكار ستورث لأجيال قادمة. معلم حقيقي وقد وصفه رفيق الكفاح معه «عبدالرحمن خير» عضو مجلس الشوري والقيادي بالحزب بأنه «عمود الخيمة» فرغم مرضه لم يتوان «شعبان» في متابعة أحوال العمال ومشاكلهم حتي ولو تليفونيا فقط في فترة صراعه الأخير معه فلم يمل من خدمة الناس حتي أصبح رمزا وأسطورة تعيش بينهم الآن وأشار «خير» إلي أن شعبان بدأ نضاله من أجل تحسين أوضاع المعيشة لأهالي دائرته عمالا وموظفين وحتي الباعة الجائلين منهم فقد ساندهم في مواجهة ظلم رجال الشرطة ومطاردتهم اليومية لنهب رزقهم ولذلك فقد حملوه إلي مقعد البرلمان حتي يكون نائبا لا يعرف المساومة وأنصاف الحلول وبناء عليه سخر هذا البرلمان لخدمتهم في توفير فرص العمل وتلبية احتياجاتهم قدر المستطاع. مازال حياً أما نجله «خالد» والذي شكر حضوره في البداية فقد أوضح أن شعبان حيا يعيش بداخل الجميع ولم يمت من خلال أعماله وخدماته وحبه لأهالي دائرته فظل يصارع المرض ويتماسك أمامهم حتي يعطيهم من قدراتهم لآخر أنفاسه، فلم يستهدف «شعبان» داخل البرلمان الذي قضي فيه خمس دورات سوي الدفاع عن مصالح الناس والوطن، الأمر الذي أظهر حب الناس له في مشهد وداعه والذي حضره القيادات الحزبية وممثلو جميع القوي السياسية من كل الأجيال والأعمال ومختلف التيارات السياسية والفكرية ردا للجميل واعترافا منهم بنزاهته وطهارة يده وشرفه في تمثيله لمقعد البرلمان. دور أساسي بينما وصفه رفيق عمره «أحمد أبوراية» ب «الرمز» باعتباره رجل البرلمان والمعارضة الشريفة مؤكدا علي نضاله من أجل الطبقة العاملة منذ الخمسينيات كان نموذجا فريدا لأربع دورات نقابية في شركة «مصر حلوان» حتي 1994م فقد كان «شعبان» صاحب شعار «الجمعية للعمال» باعتباره منضالا ثوريا له دور أساسي في تأسيس الحركة النقابية بالقاهرة وسط عمال الغزل والنسيج متمسكا بالأمل في التغيير حتي أصبح صاحب مسيرة عطاء شاملة ونموذجا للتواضع بعيدا عن أي مكاسب خاصة من كرسي المجلس. تجربة اعتقال ويتذكر دكتور «أحمد عبدالوهاب» تجربة اعتقال «شعبان» والتي خرج منها عام 1964 واستمرت لمدة خمس سنوات سابقة بسبب وطنيته فلم يتأخر لحظة في أن يجتمع بأبناء منطقته ويحدثهم عن الفقراء في مصر وسبب هذا الفقر الذي لم يكتب عليهم وإنما جاء لمجرد أخطاء موجودة في المجتمع طالتهم هم فقط مشيرا إلي ما لدينا من قدرة علي التصدي لهذا الفقر من خلال «فائض القيمة» أو حتي «الصراع الطبقي» تلك الموضوعات التي كان يتبناها «شعبان» من أجل مصر خالية من الفقراء الذين تجاوزوا المعقول مسجلا بذلك تاريخ كفاح العمال في مصر مع رفاقه «سيد فايد»، «فكري الخولي» من قادة المدرسة العمالية التي أثرت في قطاع النسيج ليس في مصر فقط وإنما المنطقة العربية كلها ولذلك لم يجد أمامه سوي أن ينتمي لحزب يعبر عن الكادحين والعمال ويواجه كل قوانين الدولة وسياساتها الاقتصادية الخاطئة وإعطاء بديل صحيح لها في صالح البسطاء من العمال لمواجهة تدخل رأس المال في سياسات الدولة حتي رسم طريقا يسير عليه كدرب ونموذج الأجيال القادمة في مواجهة الفاسدين فهو ليس زعيما جاء ومضي وإنما زعيم جاء خط الطريق لمن يريد أن يسير عليه.