الفلاحون: ولاد البلد «أولي» .. دي قضية رأي عام منذ أيام صرح إبراهيم العجمي رئيس هيئة التعمير والتنمية الزراعية بأنه سيتم عرض الأراضي خارج زمام المحافظات في مزاد علني ومنها ما تبقي من أراضي توشكي وترعة السلام وشرق العوينات للمستثمرين. نعم للمستثمرين في ظل أزمة رغيف عيش والخضراوات ونقص كميات الأرز وسوء حالة الفلاح المصري الذي يعاني من البطالة بعد طرده من أرضه بموجب قانون العلاقة بين المالك والمستأجر في الأرض الزراعية. الحكومة شايلة إيدها يقول سعيد الجمل فلاح بمحافظة 6 أكتوبر إنه يؤجر فدان الأرض الذي يزرعه طوال العام بتكلفة عالية ويزيد الإيجار عام بعد الآخر ليصل حتي الآن إلي 5.4 ألف جنيه في السنة ويتوقع سعيد زيادة الإيجار العام القادم، كما ألمح له المالك، وسعيد لديه أربعة أبناء جميعهم في المدارس الابتدائي والإعدادي ويشكو من غلاء الأسعار وتكلفة الزراعة والسماد مرددا «الحكومة شايلة إيدها» وعندما أخبرته بقرار الحكومة اندهش مؤخرا أن أولاد البلد أولي من الغريب أو المستثمر اللي حيجي يتحكم فيها. بينما مصطفي سليم الذي يزرع الخضراوات في باذنجان وكرنب وأحيانا ذرة فيقول إنه علي استعداد أن يذهب إلي أي مكان غير بلده بشرط إعطائه جزءا من الأرض ليزرعها ويعيش منها و«هي الكسبانة» لأنه سيزرع ما تحتاج إليه البلد، ويقول مصطفي: حال الفلاح «يصعب علي الكافر» أصبح يشتري حتي رغيف العيش بعد أن كان كل حاجة في بيته والسبب الحكومة، ويرفض مصطفي أن يستفيد مستثمرون بأرض البلد لمصلحتهم وقال «يا عالم هايعملوا بيها إيه؟». أولوية ويري محمد أبوالعز فلاح من كفر الشيخ أن المستثمر الذي سيشتري الأرض سيأتي بالفلاح أيضا ليزرعها فلماذا لا تعطيها الدولة للفلاح مباشرة وحتي سيمكنها معرفة التركيب المحصولي ويمكنها أن تلزمه بما يزرعه سواء كان قمحا أو غيره أما المستثمر فلن تستطيع إلزامه بشيء، ويري أبوالعز أن محافظة كفر الشيخ إحدي المحافظات التي تعاني مشكلات زراعية كثيرة خاصة بالعلاقة بملاك الأراضي ومستأجريها والري وجفاف الترع، ولهذا يعتقد في أهمية أو أولوية حلها من خلال مثل هذه الأراضي التي تعرض للمستثمرين لتحقيق الزحام وحل مشكلات الفلاح والعلاقة الإيجارية متسائلا «من أولي بأرض مصر؟» مؤكدا أن إيجار الفدان وصل في كفر الشيخ إلي 5 آلاف جنيه قابلة للزيادة أيضا كل عام، ويقترح مع هذا القرار في حالة إدخال الفلاحين في المزاد العلني أن يستعين بالميكنة الزراعية بشكل أوسع، ولكن في حالة إهمال الفلاحين يقترح أبوالعز أن تقف الأحزاب بجوار الفلاح وتصبح قضية رأي عام. إعادة تثمين الأرض ويري جمال الشرقاوي الكاتب المتخصص في شئون الزراعة أن ما يحدث الآن نبه إليه الكثيرون منذ عشرين عاما علي بدايات بيع الأراضي بالمزاد العلني وهو ما أدي لرفع أسعار الأرض وبيعها لمستثمرين لا يفعلون بها شيئا إلا المتاجرة بها وهو ضرر بالأرض، خاصة بعدما انتزعت الدولة الأرض من 90 ألف مستأجر بما يعادل خمسة ملايين أسرة أصبحوا بلا أرض ضمن القوانين الجديدة هؤلاء يراهم الشرقاوي أولي لأن قانون العلاقة بين المالك والمستأجر دفع هؤلاء الفلاحين ليزحفوا إلي هوامش المدن ويتركوا الزراعة وتزيد العشوائيات وعملهم بأعمال «تافهة» غير منتجة، والحل كما يراه الشرقاوي يكمن في إعادة تثمين الأراضي التي يتم عرضها للبيع ولكن بثمن موضوعي وحقيقي وتوزع بشكل منظم علي جمعيات تعاونية للشباب والراغبين للعمل الزراعي الحقيقي لتكون الأرض مثمرة للوطن عدا ذلك كلها أساليب تحصل بها الدولة علي المال فقط لا غير، وهو الأسلوب المتبع أخيرا من رجال الأعمال ووزير المالية ويهدف للحصول علي أموال الشعب ويحذر الشرقاوي من المضاربة بأراضي الدولة ورفع سعرها بشكل لا يتناسب مع قيمتها الحقيقية مما يؤدي لزيادة سعرها وزيادة سعر إيجارها وزيادة سعر المنتج الخارج منها. مزاد للفلاحين في حين يؤكد د. فرج عبدالفتاح الخبير الاقتصادي أن طرح الأراضي بالمزاد العلني قد يكون أمرا إيجابيا لما به من شفافية ووضوح وعدم استئثار لكبار المسئولين في الحصول علي هذه الأراضي ولكنه من الأوفق أن تكون هذه المزادات مقصورة علي الفلاحين الذين يزرعون الأراضي بأيديهم أو الذين يستخدمون أُجراء ولكن مهنتهم الأساسية «الفلاحة» هنا نضمن أن هذه الأراضي سوف تستثمر في مجالها الزراعي وبالتالي نؤمن الغذاء لمن يطلبونه، أما دخول المستثمرين الكبار ساحة هذه المزادات سيكونون ملاكا غائبين كل ما يعنيهم تحقيق «الربحية»، ويضيف عبدالفتاح متابعا أن هذا الاقتراح قد يكون به الأسعار أقل لأن المزايدة تكون علي الفلاحين ولكن البعد الاجتماعي مهم بجانب البعد الاقتصادي وتحقيق الربحية ليس الهدف ولكن تأمين هذا الوطن والحفاظ علي نسيجه الاجتماعي وأمنه الغذائي، ويعتقد عبدالفتاح أن خطورة أبعاد القرار هذا سيجعل الدولة تنفذه بشكل غير مثير للشغب كأن تطرح قطعة أرض اليوم للبيع وهكذا. ويفسر د. محمود منصور خبير الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر هذا القرار في ظل الهوجة الرأسمالية القائمة في مصر للاستيلاء علي آخر قطع أرض رغم أزمة الزراعة المطروحة حاليا ورفع أسعار مستلزمات الإنتاج وعدم تدعيم الدولة للزراعة، ويري أن المستثمر سيستغل الأرض بما ينفعه هو فقط في زراعة محاصيل غير تقليدية أو تصديرية وهو ما تحدث فيه الكثيرون منذ الطرح الأول لبيع أراضي توشكي بإمكانية نقل الفلاحين الذين تأثروا بقوانين الزراعة الأخيرة، أما الحل في وقف مثل هذه القرارات فهي في حالة حدوث تحركات جماهيرية للفلاحين أو لجان حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية.