أما وقد بلغ الوضع هذه الخطورة وأصبحنا نستسيغ الحلول الاستثنائية الخطيرة فإن من الواجب ان نحاول اللجوء الي العقل حتي لا نستمر في مسلكنا الذي سوف يؤدي الي خسارتنا ودمارنا ودمار بلدنا. فلن يكون هناك رابح ولسنا بحاجة إلي قراءة التاريخ لنقول ذلك بل يكفي أن نستعرض أحداثا شاهدناها بأم أعيننا. لذلك أري من الواجب أن نتحدث بصراحة كاملة ودون مجاملة ولكن بتقدير ومحبة يفرضهما علينا عيشنا المشترك وعاداتنا التي ورثناها من الآباء والأجداد. كلنا متفقون علي أن أوضاعنا غير طبيعية وغير صحية لا بل خطرة ولابد من أن يتعاون المخلصون والمحبون لهذا البلد لإخراجه من المأزق الذي هو فيه، وأنا اذ أقدم تصوري آملا من كل مخلص أن يقدم تصوره حتي نشخص المرض ونعالجه. وسوف أحاول وضع الخطوط العريضة المهمة التي من دونها لن يكون هناك علاج: أولاً: استرجاع هيبة الدولة وهذا لا يمكن ان يتم الا بتطبيق القانون علي الجميع وعلي الكبير قبل الصغير حتي نحفظ للناس حقوقهم وكرامتهم لكي يعتبروا الدولة أمهم الحنون، وعندها لن يكونوا بحاجة الي الحماية والمساعدة من تكتلات عنصرية او طائفية او مالية مدمرة ومفرقة للمجتمع. ثانياً: وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بإصلاح الجهاز الاداري الذي تفشي فيه الفساد بشكل غير مسبوق لأن معايير التعيين كانت مجرمة لان الولاء للمتنفذين كان معيار التعيين، وكان ارضاء الأصحاب والأزلام هو المهم وليس الكفاءة وتحسين أداء الجهاز، لا بل وصل الوضع إلي ان يسمح للنواب وبعض المتنفذين بإهانة لا بل الاعتداء علي الموظفين الشرفاء الملتزمين بالقوانين والنظم المعمول بها.وتأتي الطامة الكبري وهي ألا تنتصر الحكومة لهؤلاء الشرفاء فبدل ان تحميهم وتكافئهم غالباً ما تعاقبهم مما خلق جوا من الإحباط واللامبالاة عند بعضهم لأن نزاهتهم قد تقطع أرزاقهم. ثالثا: ما ينطبق علي الموظفين ينطبق علي الحكومة فاختيارهم علي الاغلب يكون وفقا لولاءات شخصية ونادراً ما يكون لكفاءتهم. وضعفهم وحبهم للكرسي يجعلهم عرضة للابتزاز من النواب. أما الوزير المقتدر النظيف فلا يمكن ان يخضع للضغوط سواء كانت من تحت أو من فوق، ويكون أقدر علي مواجهة أي استجواب يتعرض له، وعلي إبطال الاستجواب الذي يكون هدفه الابتزاز. ورابعا: هنا تأتي عملية الانتخابات والتزوير المستمر للعملية الانتخابية ولا أحد يمكن أن ينكر ذلك. وهنا المسئولية تقع علي عاتق النظام وتدخلاته المستمرة في العملية الانتخابية، فقانون الانتخاب صريح وواضح حيث يدين كل أنواع المخالفات التي نراها ويضع لها عقوبات صارمة تصل الي حد السجن، وما علي النظام اذا اراد الإصلاح إلا تطبيقها بحزم علي الجميع دون تمييز. ومن هنا ينتهي كذلك موضوع الوساطات الشخصية التي أصبحت المقياس الأهم لنجاح الأفراد، والنظام شجع ذلك وسهَّله لحشد الاتباع في المجلس. أنا لا أعتقد أن النظام بحاجة إلي التدخل للحصول علي الأغلبية في المجلس فالكل مستعد لتوفير هذه الاغلبية للحكومة اذا ما تبنت برنامجاً اصلاحياً معقولاً، لأن استقرار نظام الحكم مثبت بالدستور ولا يمكن المساس به ولا اعتقد أن احدا عاقلا قد فكر في ذلك يوما من الايام. خامساً: ما ذكرته سابقا يؤثر في تركيبة مجلس الأمة بشكل كبير ويؤثر في ادائه وسمعته واحترامه عند الناس. لكنني اقولها بكل صراحة ومحبة: ان معظم رؤساء المجالس كان لهم دور كبير في عدم ضبط الامور داخل المجلس فلائحة المجلس تعطي الحق لرئيس المجلس أن يمنع كل ما يمس كرامة الناس أعضاء ومواطنين وهناك عقوبات صارمة يمكن أن يلجأ اليها بموافقة المجلس. ولكن البعض يعتبر نفسه مدينا للنواب الذين انتخبوه للرئاسة فيجاملهم علي حساب أداء وسمعة المجلس، لا بل إن بعضهم سلم إدارة مؤسسة المجلس الي احزاب ايدته بالانتخابات. رئاسة السلطة التشريعية من أخطر وأهم المناصب في الدولة وهذه السلطة هي التي تسن القوانين وتحاسب الحكومة علي التجاوزات فكيف تسمح لنفسها بانتشار الفساد في أروقتها؟! الأمور الاستثنائية لا تعالج بطرق استثنائية والخطأ لا يعالج بالخطأ. إن دستورنا الذي ارتضيناه جميعا فيه العلاج لمشكلاتنا وأزماتنا، وقد جربناه في الشدة وكان خير نصير لنا. فأرجوكم ارحموه ولا تحملوه اخطاءكم وفقكم الله إلي كل عمل صالح وأدام المودة بيننا لننهض بوطننا الذي يستحق منا كل التضحيات. هذا ما جال بخاطري وأنا حزين اسمع أنين وطني لما أصابه من بلاء، إلا أنني آمل أن أكون قد وفقت في إعادة الحوار إلي جادة الصواب.