لا تبحث عن تفسير لغز حماسك واشتياقك للماضي لأنك لن تجد له تفسيرا، قد تربط هذا الاشتياق بالواقع وانطباعاته السيئة، أو مجرد فضول لمعرفة ما حدث في الماضي، أو حنين للهدوء وغياب الزحام، في كل الحالات مازال اللغز يحركنا دائما والحياة بديهية فلماذا نفسرها بالأساطير؟ كما يقول أمل دنقل الحنين إلي الماضي هو ما لعبت عليه فنانة شابة هي مروي سعودي والتي مزجت بين الماضي والحاضر من خلال معرض «حواديت فوتوغرافية» عن أهل حي الفجالة خاصة شارع المهراني لتعيد تقديم كواليس تلك الحياة من خلال صورهم القديمة مصاحبة بشريط «صوتي لهم» بعض هذه الصور تاريخية لأهالي الحي في منتصف القرن الماضي وأخري لهم الآن داخل «جيزويت القاهرة». تقول مروة سعودي صاحبة المعرض والذي اختارت له عنوان «حواديت فوتوغرافية» إنها اشتركت في ورشة عمل داخل «الجيزويت» القاهرة للتدريب علي الحكي وأثناء الورشة فكرت في توثيق حكي الناس بالصور أو ما يطلق عليه البعض «الذاكرة الشفوية» لتروي حكايات عن الفجالة من خلال صور أهلها، لذا قابلت عددا كبيرا من سكان المنطقة الأقرب لاستديو «ناصبيان» ممن يحتفظون بصور وذكريات يمكنهم سردها وكانوا كرماء معها عندما وافقوا علي إعطائها ماوصفوه ب «الكنوز» التي ترتبط بذكرياتهم وتفاصيل حياة عاشوها لم يخرجوا منها سوي بتلك اللقطات والمشاهد المصورة، قدمت مروة دمجا بين التصوير الخاص بها لنفس الأماكن مع نفس الأبطال والصور القديمة وحكيهم لذكريات الصور وحياتهم داخل هذا الحي العتيق، تؤكد مروة اهتمامها بالبحث داخل الصورة عن روح البطل وهو ما بحثت عنه أيضا عدستها لتسجله كما شاهدته. وأثناء استماعك لهذا الحكي الذي يظل يطرق أبواب أذنك وكأن أصوات هؤلاء هي أشباح لتلك الصور تجد نفسك رغما عنك تذهب معهم لعالمهم وتشاركهم هذا الموقف أو ذاك، وعن اختيار مروة للصوت قالت إن سرد أبطالها لحكاياتهم ساعدها كثيرا فيما تعرضه من صور، لتحرص علي عرض بعض الصور المعينة رغم بساطتها إلا أنها ترتبط بحكاية مؤثرة، مروة لاحظت كم تغير أبطالها عبر الزمن مرددة «الحياة علمت فيهم أكثر ليسوا كما هم في صورهم القديمة» مؤكدة أنهم حددوا دون قصد منهم شكل المعرض وتفاصيله وما هو مهم وما ليس له أهمية فقط من خلال سرد أشبه «بتقرير حياتي» لما حدث خلال سنوات عمرهم، فعم عادل يروي كم عشق السينما ولم يجد فرصته مما جعل مروة تصنع من وجهه السينمائي - فعلا - «بورتريه خاص» بعدستها، في حين فضلت أن تسجل خجل مدام سوزي ورقتها وهي تنظر لستائر منزلها داخل حي الفجالة. حماس أبطال مروة أثناء حكيهم هو ما سجلته في مشروع أسبوعي تستضيف فيه أحد هؤلاء ليروي للناس ما رووه لمروة في صالون أسبوعي داخل المعرض «بالجيزويت» ورغم تصورنا نحن الدائم لوردية الحياة زمان إلا أن أبطال الصور سجلوا اعتراضهم علي هذا التصور مؤكدين أنها لم تكن وردية تماما. المعرض دمجت فيه مروة سعودي الصوت مع الصورة لتترك للمشاهد حرية الخيال ورسم ملامح تلك الحياة بطريقته وبالمواد الخام التي قدمتها له علي جدران المعرض وفي أنين الهواء حوله، أكثر ما جعلها سعيدة إحساس الناس بصورهم في افتتاح المعرض مرددين «إزاي طلعتي الصور دي كده» لحظة شعروا فيها أنهم أبطال حقيقيون وليسوا خلف كواليس الحياة كما اعتادوا أن يكونوا رغم طول مدة الفيلم.. «أقصد الحياة». عم شعبان الميكانيكي خصص شنطة يضع فيها صوره القديمة معتبرا إياها «اللي خرج بيه من الدنيا» خاصة صورة جدته في العشرينات أوائل القرن الماضي.. كل هذا عرضته مروة سعودي في معرض الفجالة. بيت والدي كان في شاعر الضاهر وكنا بنعمل الأفراح في البيوت، البوفيه بنفتح شقتنا وشقة الجيران كلنا بنلبس زي بعض، «مش زي دلوقتي» والمعاكسات لم تكن كلاما جارحا والمحلات كانت راقية. بكلمات إحدي بطلات الفجالة والتي أقامت لها جمعية النهضة العلمية والثقافية «بالجيزويت» لقاء لتروي حكاياتها تركنا آخر ما تبقي من استديو ناصبيان وروح الزمن الجميل تعبئه.. ومدام سوزي تروي قصة فستان الخطوبة المصنوع في منزل مجاور لهم منذ أربعين عاما.