الانتخابات..وأزمة اللجنة العليا أثار تزوير انتخابات مجلس الشعب وما شابها من بطلان وانتهاكات صارخة للدستور والقانون وعبث بإرادة الناخبين، ردود أفعال واسعة طالت عديدا من مؤسسات الدولة وفي مقدمتها «اللجنة العليا للانتخابات» التي تنص المادة 88 من الدستور علي توليها «الإشراف علي الانتخابات». فقد لاحقت اللجنة اتهامات بالعجز عن القيام بمسئولياتها وانحيازها للحزب الوطني وحكومته وشرطته، ومخالفتها لقانونها ذاته. فمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني التي راقبت الانتخابات اتهمت اللجنة العليا للانتخابات بإهدار حجة الأحكام القضائية الصادرة لصالح بعض المرشحين وبإلغاء ووقف الانتخابات في عديد من الدوائر من محاكم القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا، والتغاضي «عن التجاوزات التي مارسها الوزراء وأصحاب النفوذ والسطوة من الحزب الحاكم في دوائرهم من استخدام سلطتهم وموظفي الإدارة المحلية والمحافظين، وقطع وعود انتخابية علي أنفسهم من ميزانيات الوزارات.. كما ظهرت اللجنة عاجزة أمام خرق مرشحي الحزب الوطني والمستقلين والمعارضة لقواعد الدعاية التي أعلنتها من تجاوز سقف الإنفاق المالي واستخدام الشعارات الدينية واستخدام منشآت الدولة.. واعتماد المرشحين علي تقديم رشاوي عينية ومادية للناخبين»، وتجاهلت اللجنة العليا ما حدث من «تدخلات إدارية وأمنية فجة وعنف وبلطجة علي مرأي ومسمع من الأجهزة الأمنية أثناء اليوم الانتخابي وفي عملية الفرز، وهو ما أسفر عن مقتل ووفاة عدد من المواطنين». وكشف القاضي الجليل أحمد مكي النائب الثاني لرئيس محكمة النقض، عضو المجلس الأعلي للقضاء عن مخالفة اللجنة العليا للانتخابات للقانون بعدم استطلاع رأي الجمعيات العمومية للمحاكم قبل انتداب القضاة للانتخابات وعدم إخطار المجلس الأعلي للقضاة بأسمائهم. وقال القاضي أشرف زهران إن هناك غيابا لجميع الصلاحيات الحقيقية للجنة العليا للانتخابات في الإشراف القضائي الذي من المفترض أن يبدأ من ضبط الجداول الانتخابية إلي إعلان النتائج، وأن «ما حدث تأكيد أن هناك من يريد ستر عوراته بإشراف غير حقيقي للقضاة علي العملية الانتخابية، وهو ما لا يستقيم مع الواقع» مشددا علي أنه يتحدي أحدا يزعم بوجود إشراف قضائي في هذه الانتخابات. وناقش مجلس القضاء الأعلي في اجتماع أخير بندا متعلقا بالانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبت ضد عدد من القضاة أثناء إشرافهم علي الانتخابات، وقدمت له مذكرتان تطالب الأولي بإبعاد القضاة عن الإشراف علي الانتخابات حتي لا يظهروا بمظهر العاجز أو المتواطئ في ظل الإشراف الشكلي الحالي، والثانية تتعلق بعدم الحصول علي موافقة المجلس الأعلي للقضاء علي مشاركة القضاة في الإشراف علي الانتخابات وأسمائهم. واللجنة العليا للانتخابات كيان جديد علي القانون المصري والانتخابات العامة، أضيف في 2 يوليو سنة 2005 إلي قانون مباشرة الحقوق السياسية (73 لسنة 1956) بالمادة (3) مكرر، وكانت برئاسة وزير العدل وعضوية 3 من رجال القضاء الحاليين بدرجة نائب رئيس محكمة النقض، وما يعادلها وستة من الشخصيات العامة غير المنتمين إلي أي حزب سياسي يختارهم مجلسي الشعب (4) والشوري (2) وممثل لوزارة الداخلية. وتم تعديل هذه المادة وبالتالي تشكيل اللجنة العليا للانتخابات في 9 مايو 2007، لتتكون اللجنة من 4 قضاة بحكم مناصبهم «رئيس محكمة استئناف القاهرة رئيسا - ورئيس محكمة استئناف الإسكندرية وأحد نواب رئيس محكمة النقض يختاره مجلس القضاء الأعلي وأحد نواب رئيس مجلس الدولة يختاره المجلس الخاص للشئون الإدارية أعضاء و7 من الشخصيات العامة يختارهم مجلس الشعب (4) ومجلس الشوري (3). وواضح من تشكيل اللجنة العليا للانتخابات أنها لجنة إدارية يهيمن عليها الحزب الوطني من خلال اختيار أغلبيته «المزورة» في مجلسي الشعب والشوري أغلبية أعضائها (7 من 11). وزاد الطين بلة تعديل المادة 88 من الدستور بناء علي طلب رئيس الجمهورية ونتيجة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في 26 مارس 2007، فبعد أن كانت المادة 88 تنص علي أن يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية، وهو ما فسرته المحكمة الدستورية العليا في يوليو 2000 بأن يتولي رئاسة جميع اللجان الفرعية أعضاء الهيئات القضائية أي قاض علي كل صندوق، وتطبيق ذلك بإجراء الانتخابات علي ثلاث مراحل ليتمكن أعضاء الهيئات القضائية من رئاسة جميع اللجان الفرعية.. جاء تعديل المادة لينص علي إجراء التصويت «الاقتراع» في يوم واحد ليصبح مستحيلا رئاسة القضاة لجميع اللجان الفرعية، وينص أيضا علي أن تشكل اللجان العامة «حصرا» من أعضاء من هيئات قضائية، ليصبح الإشراف القضائي شكليا ومرفوضا من جموع القضاة، خاصة تيار استقلال القضاء. وما لم يتم تعديل الدستور والقانون ليتغير تشكيل اللجنة العليا للانتخابات لتصبح لجنة قضائية منتخبة، ويكون هناك قاض علي كل صندوق - ضمن تعديلات دستورية وقانونية أخري عديدة - فأي حديث عن نزاهة وحرية الانتخابات في مصر هو لغو وخداع. وهناك مشروع قانون لمباشرة الحقوق الانتخابية «السياسية» أعده حزب التجمع علي ضوء اقتراحات ومشاريع طرحتها منظمات حقوقية «خاصة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» والأحزاب السياسية الديمقراطية «خاصة أحزاب الائتلاف الديمقراطي الأربعة» يقوم علي تشكيل لجنة قضائية منتخبة ومتفرغة تتكون من رئيس وأربعة أعضاء تختارهم الجمعية العمومية لمحكمة النقض وأربعة من رؤساء محاكم الاستئناف ترشحهم الجمعية العمومية لمحكمة استئناف القاهرة، ومدتها ست سنوات، وتتولي اللجنة إدارة العملية الانتخابية كاملة، من تقسيم الدوائر وإعداد جداول الناخبين وفق الرقم القومي بمعرفة السجل المدني، ووضع الجدول الزمني لمراحل العملية الانتخابية، وقواعد الدعاية الانتخابية، وتحديد عدد اللجان العامة والفرعية ورؤساء اللجان العامة والفرعية وأمنائها، وإعداد وطبع بطاقات الانتخاب.. إلخ، ويلزم المشروع جميع الوزارات والإدارات العامة والهيئات التنفيذية التي تتصل أعمالها بالانتخابات والاستفتاءات بما تصدره اللجنة من قرارات في هذا الشأن، وتضع تحت تصرفها الموظفين اللازمين للقيام بالأعباء الموكولة لتلك اللجنة، كما ينص المشروع علي إصدار وزير الداخلية - بناء علي طلب رئيس اللجنة - قرارا قبل بدء الانتخابات بوقت كاف بانتداب العدد المطلوب من قوات الشرطة للعمل مباشرة تحت إشراف اللجنة العليا للانتخابات، وتتلقي تلك القوات أوامرها لحفظ النظام أثناء العملية الانتخابية بكل مراحلها من رئيس اللجنة العليا للانتخابات أو من ينيبه، ومن رؤساء اللجان العامة والفرعية بحسب الأحوال. إن إصدار هذا القانون هو الخطوة الأولي في معركة طويلة تبدأ اليوم وليس غدا لتحقيق تغيير ديمقراطي ينهي احتكار حزب واحد للسلطة ويفتح الباب أمام التداول السلمي للسلطة، ويوقف التداعيات الخطيرة المترتبة علي أسوأ انتخابات شهدتها مصر منذ بدء التعددية الحزبية المقيدة عام 1976، وحالة الغضب والاحتقان في الشارع المصري.