يدخل الغرب وروسيا إلى الفصل الثاني من المواجهة نتيجة أحداث شبه جزيرة القرم واصرار موسكو علي الاستمرار في موقفها الذي يجد معارضة غربية تزداد في ظل الاستفتاء الاخير الذي انعقد هناك للاختيار بالانضمام إلى روسيا وترك العلاقة مع كييف وهو ما يرفضه الغرب تماماً . وقد اتضح من خلال لقاء لندن الفاشل ، أن موسكو مصممة على رفض الخطة الغربية الداعمة للحكومة الاوكرانية الانتقالية الجديدة في كييف . ومعنى الوضع الذي حدث في لندن هو استعداد روسيا لمواجهة الاجراءات الغربية التي بدأت ببعض القرارات وستتواصل في حزمة أخرى هدفها الضغط والمقاطعة . يرى خبير العلاقات الدولية نيك هايفر أن روسيا ليست مبالية بالاجراءات الغربية وان تلك الخطوات لن تتمكن من الضغط على الرئيس فلاديمير بوتين وتدفعه للتراجع . والحقيقة انه بعد اجراء الاستفتاء أصبح التراجع من الطرفين غير مطروح على الاقل من وجهة النظر الروسية ، التي تريد التأكيد على مصالحها وتحقيق سياسة تعمل في هذا الطريق ، حيث ترى ان ما حدث في كييف هو انقلاب على الشرعية وان الغرب لا يراعي المصلحة الروسية ولا ينظر إلى تداعيات خطيرة في هذه المنطقة نتيجة نمو التيارات المتطرفة التي قد تدفع نحو قتال وصراع عرقي . وجهة نظر روسيا أن تدخلها في شبه جزيرة القرم هدفه حماية السلام والحفاظ على وضع المنطقة ومقاومة التيارات العنصرية التي تتحرك بهدف القيام بعمليات تطهير عنصري ، لكن الغرب يرى أن موسكو تغامر بالاستقرار وتعيد شبح الحرب الباردة مرة أخرى إلى دائرة الصراع بين الشرق والغرب . فرض الهيمنة يقول النائب المحافظ نديم زهاوي انه لابد من التصدي للخطوة الروسية لاستخدامها القوة العسكرية في فرض هيمنتها على شبه جزيرة القرم وهذا يهدد وحدة اوكرانيا وان على الغرب مقاومة هذا العدوان بالتضامن بين الدول الاوروبية والولايات المتحدة لفرض العزلة على روسيا مرة أخرى وحرمانها من المكاسب التي حصلت عليها بعد نهاية الحرب الباردة . يقول نيك هيفر المعلق والخبير السياسي أن روسيا وقيادة فلاديمير بوتين لن تتأثر بهذه العقوبات والمقاطعة ومحاولة عزل روسيا . وفي المقابل يرى أن موسكو ستقوم باجراءات مضادة لفرض حزمة من التحركات للرد على المواقف الاوروبية ومن أهم هذه الادوات الروسية موضوع الغاز الذي تعتمد عليه بعض الدول الاوروبية بدرجة كبيرة . اجراء الاستفتاء في شبه جزيرة القرم معناه التصعيد الواضح ودخول المرحلة الثانية من المواجهة العاصفة بين روسيا والغرب في ظل اصرار ادارة باراك أوباما على معاقبة التحركات الروسية لاستخدامها قوات عسكرية في حسم خلاف داخل اوكرانيا ذاتها ، وان الخطوة الروسية تعمل على توسيع دائرة الصراع والتحريض على المواجهة واشعال الحرب . وقد شرح وزير الخارجية الامريكي جون كيري لنظيره الروسي سيرجي لافروف تداعيات الموقف واحتمالات الردود الامريكيةوالغربية القاسية ، غير أن روسيا لم تهتم أو تستجيب لهذه التهديدات على الاطلاق ، وحسم لافروف موقف بلاده خلال لقاء لندن حيث أشار إلى أن موسكو لديها أسلحة هي الاخرى للرد على اجراءات أوروبية وامريكية ستبدأ هذا الاسبوع بهدف التعبير عن غضب واحتجاج على الروس . البديل المحتمل قالت عضو مجلس اللوردات والوزيرة في الحكومة سوزانا كريمر أن الموقف الراهن يعبر عن تعنت روسي واضح ، لكن بريطانيا مع الدول الغربية لن تقف مكتوفة الايدي وسترد على هذه الاجراءات بما يعاقب روسيا التي تدخل في مواجهة الآن وان كان الحل العسكري غير مطروح على الاطلاق وان البديل المحتمل هو الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على موسكو وانهاء مرحلة التعاون التي أعقبت نهاية الحرب الباردة . وقد دعا النائب العمالي جيرمي كوربان إلى استمرار التفاوض الدبلوماسي وعدم الانزلاق إلى مواجهة تعيد العالم مرة أخرى إلى أجواء التوتر التي كانت موجودة خلال الحرب الباردة . ودعا كوربان وهو من أنصار السلام حلف الناتو بالكف عن التلويح بالتدخل العسكري وتحريك الطائرات والغواصات ، لأن القضية تحتاج إلى تفاهم وتنسيق من الطرفين لحل مشكلة اوكرانيا بما يضمن مصالح روسيا وفي الوقت نفسه المحافظة على كيان موحد لأوكرانيا . واتفقت كلير شورت الوزيرة السابقة في الحكومة العمالية على أهمية رفض التصعيد والعمل من أجل حل الموقف في اطار دبلوماسي والكف عن الاستفزاز من الطرفين وقالت انه لابد من رؤية المصلحة الروسية ومراعاة أوضاع شبه جزيرة القرم ، وان التحريض على حل عسكري أمر جنوني لايمكن قبوله أو السماح به في ظل الظروف الدولية الراهنة . وقد تحدث وليم هيج وزير الخارجية البريطاني عن صعوبة الموقف وعن تعنت روسيا ورفضها التراجع عن سياسات تعيد التوتر العالمي مرة أخرى . وهناك تقارير تتحدث عن ان عودة الحرب الباردة مجدداً غير ممكن اذ الغرب والشرق عليهما العودة للتعاون خصوصا فيما يرتبط بالاوضاع السورية والاخرى الايرانية فهناك حاجة للتفاهم بدلا من المواجهة والصدام . عقوبات قاسية هناك حاجة غربية لوجود روسيا على المسرح الدولي ومحاولة عزلها غير مفيدة كما يرى بعض الخبراء ، لكن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني يعتقد بأن الاتحاد الاوروبي عليه التحرك بحسم لمواجهة روسيا حتى تدرك أن اللعب بالاستقرار الدولي مغامرة ليست سهلة، وان هناك عقوبات قاسية في الطريق تلوح لندن مع الغرب بها عبر اجراءات صارمة في ظل الاجواء الحالية التي تحدث في شبه جزيرة القرم وما قامت به موسكو من دفع بقواتها إلى هناك مما يعد تدخلاً صريحاً لابد من عقابه بأساليب دبلوماسية قاسية تعيد الكرملين إلى صوابه مرة أخرى . ينظر الغرب إلى الخطوة الروسية بأنها خروج على مسار مرحلة ما بعد انحسار الحرب الباردة ، اذ تريد موسكو تحقيق مكاسب استراتيجية لها في شبه جزيرة القرم التي تضم اسطولها البحري في البحر الاسود . الخطوة الروسية مرفوضة ، لكن الخلاف الآن على قدرة العقوبات لردع روسيا واعادتها مرة اخرى إلى الساحة الدولية بدون هذه الرغبة في اختراق القانون والشرعية الدولية .