د. على مبروك أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة مفكر وباحث مصرى جاد له إسهامات متعددة حول تجديد الخطاب الفكرى العربي حوار: عيد عبدالحليم يرى مبروك أن مشروع التنوير العربى واجه – منذ بداياته تحديات كبرى فى إطار السياق الاجتماعى والسياسى – لكنه من الممكن إحياء تجربته فى ظل اللحظة الراهنة لكن بشروط تتوافق مع التحولات التى يشهدها مجتمعنا. * مشروع التنوير العربى إلى أين وصل الآن؟ ** كما ترى الحال الراهن فى العالم العربى وصل هذا المشروع إلى منطقة ملتبسة، لعدم وجود نخبة قوية تكون قادرة على نقل المجتمع من خطاب التقليد إلى خطاب التجديد. نحن أمام زخم ثورى لكنه يفتقد إلى العقل الذى بإمكانه أن يسير به إلى الاتجاه الصحيح. * ما أهم العوائق التى واجهت هذا المشروع فى الفترة الماضية من وجهة نظرك؟ ** كثيرون استسهلوا الأمر فيلقون السبب حول تأزم هذا المشروع على المجتمع التقليدى أو السلطة المستبدة، المفترض أن يكون ذلك محفزا لإعلاء خطاب التنوير، فكلما زاد الضغط برز دور المفكر والمثقف، إذن علينا أن نبحث عن الأسباب العميقة لفشل هذا المشروع من داخله. العقل العربى الآن يعمل بطريقة إجرائية شكلية، لكنه لا يتعمق فى الأمور، وإذا تعامل مع الأمور يتعامل معها بطريقة أيديولوجية ويغيب المضمون المعرفي، والأزمة الراهنة تكمن فى هذا السبب هذا العقل يلح على إعادة فكرة النموذج القديم، لا توجد حالة من الابتكار، سواء كنا نفكر بأسلوب إسلاموى أو حداثوى بشكل عام. وأظن أن هذا الأمر مسئول عن هذا التراجع الفكرى لمشروع التنوير. الثورة والفكر * لكن البعض يرى أن الثورة يتبعها دائما نهضة فكرية وتنويرية.. كيف ترى ذلك؟ ** بالترتيب الواقعى ربما التنوير يكون سابقا على الثورة لكن فى الحالة العربية نجد العكس، يصبح إنتاج التنوير مرتبطا بوجود ثورة. أظن أن التنوير لن يخرج فى ظل هذه السنوات القليلة، فلا شيء إلا الصخب، والتسييس الشديد لكل شيء، وأظن أن أحد مآزق التنوير هو «التسييس»، وهو ما يجعلنا نتعامل مع الأشياء بشكل سطحي. أتصور، ربما إذا مررنا بمرحلة انتقالية ناجحة بعد الدستور هناك إمكانية لنظام سياسى مفتوح يمكن أن نتدخل فى مرحلة من مراحل الهدوء. لأنه فى حالة الصخب كلنا معرضون لحالة من الابتزاز، فلا مجال للعقل، فالانفعال يسيطر على الجميع. دور الجامعة * كثيرا ما كان هناك تعويل على الجامعة المصرية فى بث الإشعاع الفكرى فى الشارع – لماذا تراجع دور الجامعة من وجهة نظرك؟ ** الجامعة شأنها شأن كل المؤسسات المصرية فيها أزمة، لا توجد مؤسسة خالية من التأزم، لو كانت الجامعة قد قامت بدورها المنوط بها قديما لم تصل بنا الحالة إلى ما يحدث من عنف الجامعة الآن تعكس حالة كل التيارات الموجودة فى مصر. ضرورة وجود تفكير آخر لمستقبل الجامعة ما أتصوره أنه لا يوجد اهتمام بالعلوم الإنسانية فى الجامعة. الطلبة أصبحوا بما يمارسونه من عنف يصدرون صورة عن الجامعة المصرية مغلوطة، فى تصوري أن الجامعة بحاجة إلى إعادة نظر فى الحاجات التى تحتاجها مصر. غياب العقل النقدى فى الجامعة كان من المفترض أن دور الكليات النظرية هو إخراج هذا العقل النقدي، لكن للأسف لاتزال تسيطر عقلية التلقين حتى على بعض الأساتذة ومن سوء الحظ نجد طلاباً يخرجون دفاعا عن جماعة إرهابية. * لماذا نبدأ من الماضى دائما فى تحليل الواقع وتحولاته؟ ** فى دراستى للتراث كنت أبحث فى الماضى للوصول إلى حلول لما نمر به فى الواقع. نحن أمام عقل تقليدى – دائما – يحاول القضاء على أى فكر تجديدي، هذا العقل لن يسمح لأى فكر حداثى لأن يمرر أفكاره. نحن نحتاج قطيعة للقطع مع هذا العقل، نحن بحاجة إلى وجود مؤسسات علمية بها كوادر قادرة على التغيير. فى الفترة الماضية كانت هناك سيطرة للإسلام النصى للسيطرة على عقول العوام. هذه الظواهر أدت إلى تراجع التفكير، فتضخمت دائرة النصوص لم تترك جانبا من جوانب الحياة، ترسم خريطة لحياة الإنسان. هذا التوسيع فى دائرة النصوص يقلص المساحة التى يعمل فيها العقل. القرآن يحفز العقل على العمل فى مجالاته المختلفة. النص المقدس يسمح للإنسان بأن يعمل ويبتكر ويبدع. المؤسسة الدينية * وماذا عن الأزهر ودوره فى الفترة القادمة؟ ** نحن نفكر فى مصر المتسعة بفكر وسطى حقيقي، من الممكن أن يقوم الأزهر بدور إذا أعاد التفكير فى علاقة البشر مع النصوص والفقه وحاول التجديد فى خطابه، مشكلة الاجتهاد فى الأزهر أنه يأتى من خلال البنية القديمة، رغم أننا الآن بحاجة إلى بناء جديد، وهذا البناء الجديد بحاجة إلى إعادة العلاقة مع الأصول. * ما هى الأسس والشروط التى تراها لقيام دولة مدنية؟ ** نمتلك دولة مدنية حين نمتلك شروط هذه الدولة، ولذلك غيابها نتيجة لعدم توفر شروطها. من شروطها: الشروط العقلية المعرفية، وأعنى بها أننا نمتلك الفرد الحر القادر على التفكير المستقل بدون امتلاك هذا الفرد، كل حديثنا عن الدولة المدنية كلام.. هى نتاج التنوير. الفرد الحر الذى عنده قدرة على التفكير المستقل لابد من تحريره من فكرة الحاجة – إذن الشروط المادية الواقعية ضرورية. هذا الفرد هو الذى بإمكانه وضع السلطة فى وضع المساءلة، الدولة المدنية لابد فيها أن يعى الفرد حريته وامتلاكه لإرادة الفعل فى بلد مثل مصر تجد أن هذه الحالة غير متوفرة. القطاعات التى تخرج لمناصرة الإخوان فى مظاهرات همجية لا تمتلك وعيها الكافي.