اقتربت مصر أكثر من اي وقت مضى إلى القيام بدور حاسم لإنهاء الأزمة السورية حدث هذا في خط مواز لتطورين مهمين في الازمة . اولهما اقتراب مصر من نقطة تحول في نظرتها للازمة السورية . وثانيهما طرح الازمة ذاتها للبحث في المفاوضات التي جرت بين القيادة المصرية ممثلة في المشير عبد الفتاح السيسي والدكتور نبيل فهمي وزير الخارجية والقيادة الروسية ممثلة في أعلى مستوياتها في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الزيارة التي قام بها الوفد المصري العسكري-المدني لروسيا. لقد اعلن منذ البداية ان الجانبين المصري والروسي تناولا في هذه المحادثات ضمن ما تناولا من شئون العلاقات بين البلدين في جوانبها الاستراتيجية العسكرية والمدنية وان الجانبين تناولا قضايا عديدة على راسها التعاون الثنائي بين البلدين على جميع المستويات ، وبحثا عملية السلام في الشرق الاوسط وكذلك الازمة السورية . والامر المؤكد ان المحادثات المصرية-الروسية كانت قد تناولت الازمة السورية في المحادثات التي جرت بينهما في القاهرة في شهر نوفمبر الماضي . ولكن الامر المؤكد ايضا ان الازمة السورية كانت موضوعا للمحادثات بين الجانبين المصري والروسي في موسكو انما على نطاق اوسع وأكثر تفصيلا . وتناولت بشكل خاص الدور الذي تستطيع مصر القيام به في هذا الصدد . ومن الطبيعي ان محادثات الطرفين تعمقت أكثر في التطرق الى الازمة السورية من جانب الوفد المصري وذلك نظرا لان الموقف المصري هو الذي طرأ عليه تطور ملحوظ باقترابه من الموقف الروسي المؤيد لسوريا باعتبار النظام السوري هو الممثل الحقيقي لها وليست المعارضة التي ضمت قوى وتنظيمات أجنبية . وذلك على الرغم من التصريح الذي ادلى به المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية والذي قال فيه –قبيل الاجتماع المصري-الروسي في موسكو ان مصر لا تسعى لاستبدال طرف بآخر . اي لا تهدف الى استبدال الولاياتالمتحدةبروسيا الاتحادية. التقارب حول سوريا لقد استطاع الجانب الروسي في هذه المحادثات ان يلمس مدى اقتراب الجانب المصري من موقف روسيا ازاء الازمة السورية ، وخاصة في الفترة التي انقضت بين المحادثات المصرية-الروسية في الرابع عشر من شهر نوفمبر الماضي في القاهرة والمحادثات بين الطرفين ذاتهما في الاسبوع الماضي في موسكو. وقد لوحظ ان الادارة الأمريكية وخاصة وزارة الخارجية حاولت التقليل من أهمية هذه المحادثات ، وخاصة فيما يتعلق بتناولها الازمة السورية . وهو ما حرص الجانبان المصري والروسي على نفيه كل على حدة . ولابد عند هذه النقطة من ان نلاحظ ان موقف الولاياتالمتحدة بدا منقسما بين ادارة الرئيس اوباما وزعامة الكونجرس . فعلى حين ان الادارة الأمريكية قللت من شان هذه المحادثات بين مصر وروسيا بصدد سوريا وغيرها من الموضوعات التي تناولتها المحادثات ، فان لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي خصصت جلستين قبيل المحادثات المصرية-الروسية ناقشت فيهما الوضع الامني في مصر والسياسة الأمريكية في الشرق الاوسط . وخرج هذا الاجتماع بتوصية بضرورة التعاون بين أمريكا ومصر في محاربة الارهاب ، وايضا بضرورة الافراج عن الادوات التكنولوجية والاسلحة وقطع الغيار التي تحتاجها حكومة مصر في مكافحة التطرف . وقد وجّه السناتور بيتر كنج رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة الارهاب والمخابرات بالكونجرس نقدا مشددا الى الادارة الأمريكية لتعليقها المعونة العسكرية لمصر باعتبار ان ذلك من شأنه الاضرار بجهود مكافحة الارهاب . وعلى الرغم من ان اعضاء الكونجرس لم يتناولوا بشكل خاص المحادثات المصرية-الروسية الا ان الانتقادات التي تعرضت لها الادارة الأمريكية في قراراتها المتعلقة بالمساعدات العسكرية اعتبرت نوعا من التبرير لاقبال مصر على اللجوء الى روسيا لشراء اسلحة منها والدخول معها في اتفاقات تتعلق بتوفير قطع الغيار لما تملكه مصر من اسلحة روسية . بل لوحظ ان مصادر الكونجرس الأمريكي عقبت على اللقاءات المصرية-الروسية بوصفها بانها بمثابة عودة الروح الى العلاقات بين البلدين كرد على قرار الادارة الأمريكية بتجميد المساعدات الأمريكية لمصر ، وصواب التفسير المصري بان هذا القرار من الادارة الأمريكية هو بمثابة رد على ثورة 30 يونيو الجماهيرية وتصميم من هذه الجماهير على التخلص من حكم الاخوان بتأييد صريح وواضح من القوات المساحة المصرية. معارضة المعارضة وقد ابدت مصادر الكونجرس الأمريكي في الوقت نفسه اقتناعها بان الجانبين المصري والروسي لابد ان يكونا قد سارا على النهج ذاته في محادثاتهما عندما تناولت احداث سوريا ، خاصة وان الولاياتالمتحدة اظهرت تراجعا ازاء هذه الاحداث جعلها تبدو أكثر ميلا الى معارضة «المعارضة» السورية واتخاذ موقف أكثر ليونة تجاه سوريا النظام فيما يسمى محادثات جنيف-2 . واذا كان الموقف المصري قد بدا في المحادثات مع روسيا ينأى بنفسه عن تصوير هذه المحادثات بانها موجهة ضد الولاياتالمتحدة بشان العلاقات الجديدة او المتجددة مع روسيا ، الا ان الموقف المصري من الازمة السورية ابدى للجانب الروسي اقتناعا اكيدا بان مصر تتخذ موقفا اقرب الى الموقف الروسي من احداث سوريا. وقد زادت مصر من اقترابها من الموقف الروسي من الاحداث السورية باعتبار ان المحادثات مع روسيا تعطي لمصر هذه الفرصة أكثر من اي وقت مضى. لهذا اصبح من المتوقع ان يظهر الجانب المصري المشارك في محادثات جنيف-2 الخاصة بسوريا ميلا اوضح وأكثر صراحة الى تأييد النظام السوري والابتعاد أكثر عن تأييد موقف «المعارضة» السورية. مع ذلك تبدو مواقف الوفد المصري في محادثات جنيف-2 حريصة على ان تبقى قادرة على تقريب وجهات النظر بين ممثلي النظام السوري وممثلي المعارضة السورية . وذلك باعتبار ان هذا مطلوب من مصر في هذه المحادثات .والامر الذي يتأكد نتيجة لتطور العلاقات المصرية-السورية هو ان سوريا تبدو مقتنعة بايجابية الموقف المصري ، وأن هذه الايجابية قد ازدادت بعد اللقاءين المصري والروسي في موسكو وقبل ذلك في القاهرة. ويظهر هذا جليا في امتناع الجانب السوري الرسمي عن توجيه اي نقد لموقف مصر ازاء الازمة السورية . الامر الذي يدل على ان سوريا ترقب باهتمام تطور الموقف المصري منذ شهور واعتبارها لهذا التطور نتيجة طبيعية لامرين على درجة قصوى من الاهمية : الاول التطور المتعلق بتخلص مصر بتأييد من قواتها المسلحة من سلطة الاخوان الذين يؤدون في سوريا دورا مماثلا لدورهم الارهابي العنيف في مصر. وهو ما يعني ان مصر لا يمكن ان تؤيد الاخوان في سوريا بينما تواجههم بقوة في مصر وتعلن بصراحة قصوى عزمها على التخلص منهم نهائيا. وتسير مصر في هذا الاتجاه على الرغم من معارضة الادارة الأمريكية له. الثاني تأثير المحادثات الاخيرة بين مصر وروسيا ، الذي يدفع مصر باتجاه دعم الموقف الروسي في سوريا وباتجاه العمل للتخلص من نشاط الاخوان الارهابي سواء في ارجاء المدن المصرية وفي ارجاء سيناء المصرية بالقدر نفسه. تآزر مصر وروسيا والامر الذي يتأكد بعد هذا بشان العلاقات المتجددة بين مصر وروسيا هو ان المحادثات والمشاورات بين الطرفين ستتناول الشأن السوري والشئون العربية الاخرى في كل اللقاءات التي ستعقد بينهما . ومن المؤكد ان الشأن السوري سيحتل مكانة بارزة في هذه المحادثات والمشاورات . واذا كان الجانب المصري قد حرص –خاصة في تصريحات الناطق باسم الخارجية المصرية – على التأكيد بأن هذه العلاقات لا تهدف الى اختيار جانب دون آخر في العلاقات مع الدول الكبرى فان من المؤكد ان الجانب المصري حريص على ان يعطي للقضايا العربية اهتماما واولوية على القضايا الاخرى . ويشمل هذا أحداث سوريا التي يتعامل معها الجانب الروسي باهتمام وتأييد لا يحتاجان الى برهان . واذا كانت الولاياتالمتحدة قد أبدت حرصا على الا تظهر قلقا من التطورات في العلاقات بين مصر وروسيا – وهو ما ستكشفه الشهور القادمة – فان المدى الذي تذهب اليه المحادثات شبه الدولية بشان سوريا سيعكس خلال الشهور القادمة ايضا اذا كان التآزر بين الموقفين الروسي والمصري والانعكاس الايجابي لهما على الازمة السورية سيكون له انعكاس على الموقف الأمريكي وبعد ذلك على المحادثات بشأن هذه الازمة .