مؤتمر الأمن في ميونيخ رسالة ألمانيا – نبيل يعقوب تركز اهتمام السياسة والاعلام الالماني على مؤتمر الامن الذي يعقد كما هو الحال في فبراير من كل عام في مدينة ميونيخ. وفي هذا المؤتمر الخمسيني الذي شاركت فيه وفود من نحو 90 دولة ممثلة برؤساء دول ورؤساء وزارات، ووزراء دفاع ووفد من الاممالمتحدة يرأسه الامين العام بان كي مون ارادت الحكومة الائتلافية الجديدة في المانيا توجيه رسالة للعالم مفادها ان تغييرا مهما قد تقرر في مجال السياسة الخارجية والامنية لألمانيا، وبالتحديد في انتهاء «الاحجام» الالماني عن المشاركة في عمليات عسكرية خارج الحدود، والتوجه نحو «تحمل مزيد من المسئولية»، بالطبع عند توفر شروط معينة. أول الجديد اللافت في هذا المؤتمر ربما كان في الاخراج. اذ لأول مرة يفتتح المؤتمر رئيس المانيا الاتحادية. ولأول مرة تتوجه سيدة هي «وزيرة دفاع المانيا» بخطاب لهذا الجمع من الرجال المدنيين والعسكريين. سياسة «جديدة» – مغامرات عسكرية جديدة؟ وتحدث الرئيس الالماني يواخيم جاوك عن دور المانيا في العالم وسياستها العسكرية مرددا الموقف الذي اتفق فيه كل المتحدثين الرسميين الالمان وهو التأكيد على عزم المانيا على لعب دور نشط في السياسات الخارجية والامنية والاستعداد للمشاركة في عمليات عسكرية خارج الحدود. يمكن استنتاج ان مواقف المانيا وحلفائها كانت منسقة ولذا جاءت الخطابات متوافقة في اتجاهها العام ومطالبها الرئيسية. وشددت كلمتا وزير الخارجية الامريكي كيري ووزير الدفاع هيجل على الحاجة الى دور الماني، «أفعال المانية». وزير الخارجية الامريكي أكد مطلب الالتزام الكامل من الاتحاد الاوروبي : «من أجل مواجهة التحديات الحالية من القريبة والبعيدة ، أمريكا بحاجة إلى أوروبا قوية، و أوروبا في حاجة إلى أمريكا ملتزمة بالكامل. وهذا يعني أن الاقتصار على دور محدود لا يمكن ان يكون خيار اي منا. إذا مارسنا القيادة معا سيتبعنا الآخرون». واضح ان كلمات القادة الامريكيين والاوروبيين تضمنت نداء لمزيد من الوحدة في الاطار الاطلسي. الشعب لا يريد وبالطبع تتساءل حركات السلام عن انسجام هذه المشاريع السياسية التي يريد حلف شمال الاطلسي تحقيقها باستخدام قوات مسلحة في قارات العالم مع ميثاق الاممالمتحدة. خارج مقر المؤتمر تظاهر الآلاف من انصار السلام تحت شعار «هناك بديل للحروب». وتحتفظ ذاكرة الملايين من الناس بأخبار الحروب التي جرت في العقدين المنصرمين بتخطيط ومشاركة الناتو وادت لتفتت يوغسلافيا، وأبدت الاحتراب الاهلي في افغانستان، ودمرت العراق، واخيرا غارات الناتو على ليبيا. اظهر استطلاع رأي اجرته القناة التليفزيونية الاولى في المانيا ان 61 بالمائة من الالمان ضد ارسال جنود المان للمشاركة في عمليات عسكرية في افريقيا. جاءت هذه النتيجة على العكس تماما مما تتمناه الحكومة الالمانية الجديدة. هل تحرك المصالح الاقتصادية السياسات؟ آخر رئيس الماني تحدث عن قضايا السياسات العسكرية كان الرئيس هورست كولر في حديث مع اذاعة «دويتشلاند راديو» في 22 مايو 2010 برر فيه المشاركة الالمانية في عمليات عسكرية خارج الحدود (مثل افغانستان وسواحل الصومال) بقوله: «إن بلدا بمثل حجمنا، وبمثل هذا التوجه وهذا الاعتماد على التجارة الخارجية يجب ان يعلم اننا يمكن في حال حدوث ظرف طارئ يمكن أن يكون العمل العسكري ضروريا للحفاظ على مصالحنا، على سبيل المثال طرق التجارة الحرة، ومنع اللااستقرار الاقليمي الذي سيؤثر بالتأكيد سلبا على فرصنا في التجارة، وفرص العمل والدخل.» هذا الحديث الذي رفضته قوى المعارضة وبعض شخصيات من التحالف الحاكم أثار زوبعة من الاحتجاجات باعتبار ما قيل يبرر حروباً لاغراض اقتصادية مما يتناقض مع الدستور الذي يقصر العمل العسكري على الدفاع عن البلاد. واستقال الرئيس كولر بعد بضعة ايام من تصريحه. مذكرة تفسيرية للسياسة الجديدة فرانك فالتر شتاينماير أوجز السياسة الجديدة في عدد من الاطروحات تبدأ باقرار أن «المانيا اكبر من ان تكتفي بالتعليق على السياسة العالمية من خارج الملعب ولذا ينبغي ان تكون على استعداد للتصرف في السياسة الخارجية والسياسة الامنية بسرعة وبحسم اكبر «. وأكد استعداد بلاده لتقديم مساهمات عملية مثل المشاركة الالمانية في تدمير السلاح الكيماوي السوري. ويشدد الوزير الالماني على ضرورة توحيد المواقف الاوروبية في السياسة الخارجية والامنية. ولمعرفته بمخاوف غالبية الالمان من ان تتورط المانيا في نزاعات حربية يعتبر شتاينماير العمل العسكري هو آخر الخيارات. كما ان مشروع جذب اوكرانيا الي حلف الناتو يمكن ان يدفع البلاد الي حرب اهلية. بالطبع اكد وزير الخارجية الالماني التحالف في إطار الناتو ولكنه انهى خطابه بالتحذير من ان تؤدي عمليات التجسس الامريكية الي انفراط التحالف «بين اوروبا والولايات المتحدةالامريكية». شتاينماير من حزب المستشار السابق شرودر. ألم يكن قرار شرودر حكيما برفض المشاركة في الحرب على العراق؟ هذا الافصاح العلني عن نية الحلف الاطلسي لمزيد من عسكرة السياسة الخارجية ينذر باستمرار النزاعات والتوترات في بلدان العالم الثالث خاصة في العالم العربي وافريقيا. هل نتوقع أن تقوم الجامعة العربية والاتحاد الافريقي باعلان موقف يعبر عن مصالح شعوب المنطقة ويطرح بديلا عن التدخل الاجنبي الذي يفاقم النزاعات؟