وسط أجواء عاصفة ومحاولات مستميتة لإعادة اختطاف ثورة الشعب فى 25 يناير و30 يونيو، مرت "السبت" الماضى ثلاث سنوات على الثورة المصرية التى أبهرت العالم عندما أعاد الشعب المصرى ا كتشاف نفسه وأظهر معدنه الأصيل وارتباطه العضوى بتراب مصر، ثلاث سنوات شهدت مصر خلالها حالة من عدم الاستقرار والاضطرابات، سبق وأن مرت بها البلاد خلال الفترة من 1801 عقب خروج الحملة الفرنسية من مصر وحتى عام 1804 بثورة الشعب ضد الوالى العثمانى خورشيد باشا، السنوات الثلاثة فى القرن التاسع عشر تولى خلالها حكم مصر ستة حكام عثمانيين وألبان أحدهم لم يستمر فى الحكم سوى يوم واحد حيث قتل فى ذات اليوم الذى تولى فيه الحكم. المثير أن الشعب المصرى قام خلال هذه الفترة (1801 – 1804) بثورتين، الثورة الأولى ضد "البرديسي" أحد زعماء المماليك الذى تولى الحكم عام 1803 وثار الشعب ضده بسبب فرض الضرائب الباهظة وقيام المماليك بنهب أموال المواطنين، وعندما تولى الحكم الوالى العثمانى خورشيد باشا عام (1804) استمرت حالة الغليان بين صفوف الشعب المصرى ضد الوالى العثمانى بسبب محاولات إخضاعه للمواطنين وجباية الأموال من أصحاب الحرف والصناعات، بل واصل الوالى العثمانى تجبره واستدعى قوة من الدولة العثمانية لتدعيم أركان حكمه مما ساهم فى زيادة حالة الاحتقان بين أفراد الشعب. عندما لم يستجب "خورشيد" لمطالب الشعب بعدم فرض ضرائب ومنع القوة التركية من القيام بأعمال السلب والنصب، اجتمع زعماء الأمة فى بيت القاضى واستقر رأيهم على عزل خورشيد باشا، توجه وفد من العلماء إلى القلعة لإبلاغ "خورشيد" بقرار عزله ولكنه رفض قائلا إنه معين من السلطان العثماني، فاندلعت الثورة الثانية وحاصر الشعب القلعة "مقر الحكم" التى احتمى بها الوالى العثماني. ودارت معارك واشتباكات حتى تنحى الوالى عن عرش مصر، خلال فترة حكم "البرديسي" و"خورشيد" بزغ نجم "محمد علي" القائد الألبانى الذى جاء إلى مصر منتميا للدولة العثمانية لكنه انحاز لصفوف الشعب المصري، اتسم "محمد علي" بالذكاء ورفض تنفيذ أوامر "البرديسي" بقهر الشعب المصرى وإجباره على دفع الضرائب، كذلك فعل عندما تولى "خورشيد" الحكم وأمر جنوده بعدم المشاركة فى أعمال السلب والنهب التى قامت بها القوة التركية، اكتسب "محمد علي" حب واحترام الشعب المصرى وذهب وفد على رأسه السيد "عمر مكرم" والشيخ "عبدالله الشرقاوي" إلى دار "محمد علي" بالأزبكية لإبلاغه باختياره بدلا من خورشيد باشا قائلين له: "لقد اخترناك بشرط أن تحكم بالعدل وألا تبرم أمرا إلا بمشورتنا، وإذا خالفت هذا الشرط عزلناك"، ووافق "محمد علي" وتولى حكم البلاد بإرادة الشعب وصدر فرمان من الدولة العثمانية بعزل خورشيد باشا وتثبيت محمد على واليا على مصر فى 9 يوليو عام 1805 لتبدأ مصر عصر النهضة الحديثة التى وضع أسسها "محمد علي". ما أشبه الليلة بالبارحة.. وإذا كان التاريخ لا يعيد نفسه، أو يعيد نفسه بأشكال أخري، فإن الأحداث التى شهدتها مصر خلال السنوات الثلاثة الماضية (2011 – 2014) تشبه إلى حد كبير الأحداث التى مرت على مصر خلال الفترة من (1801 – 1804)، فقد تعاقب على حكم مصر خلال السنوات الثلاث الماضية ثلاثة رؤساء "المجلس العسكرى – مرسى – عدلى منصور"، وأربعة رؤساء وزارات "عصام شرف – الجنزورى – هشام قنديل – حازم الببلاوي" وشهدت البلاد خلال ذات الفترة حالة من عدم الاستقرار بالمظاهرات والاشتباكات والاحتجاجات، أيضا تنتظر مصر "قائد" يحقق طموحات الشعب ومطالبه بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية، يدفع بالوطن نحو التقدم والازدهار ويستجيب لمطالب واستحقاقات ثورة الشعب، الفارق الوحيد أن مصر فى القرن التاسع عشر لم تكن تعرف فصائل العنف والتطرف وجماعات الاتجار بالدين وبيع الوطن لقوى خارجية، غير أن مصر مهد الحضارة والأديان قادرة بقوة وصلابة شعبها على دحر قوى العنف والإرهاب.