شفرات الحلاقة.. هي الحل! اختفي الحوار السياسي من المعركة الانتخابية وارتفع صوت الدعاة في السرادقات.. واشتد الهجوم علي الذين يحلقون ذقونهم تشبها بالنساء! الإعلان الذي نشرته شركة «لورد» العالمية المتخصصة في صناعة شفرات الحلاقة.. علي مساحة نصف صفحة بصحيفة «المصري اليوم» في الخامس من نوفمبر الحالي..يثير قضية تستحق الانتباه.. ويكشف ربما للمرة الأولي بمثل هذا الوضوح.. عن الرعب الذي يجتاح قلوب البعض منا.. من شفرات الحلاقة! ويبدو أن شفرات الحلاقة تستطيع القضاء علي نفوذ قطاعات عريضة من جماعات النصب والاحتيال.. التي تدعي أن إسلامها يفوق إسلامنا.. وأنها تحفظ من آيات القرآن أكثر مما نحفظ.. وأن أمتنا العظيمة التي تتطلع إلي اللحاق بركب الأمم الراقية تستطيع القضاء علي عصابات النصب والاحتيال.. بالتلويح لها بشفرات الحلاقة ماركة «راديوم» التي كنا نستخدمها في بدايات القرن الماضي.. ومعها كولونية «شريف» التي كانت تباع في جميع فروع شركة بيع المصنوعات المصرية بالقاهرة والأقاليم. وعلي الرغم من أن الإعلان الذي نشرته شركة «لورد» لم يكشف النقاب صراحة.. عما جري.. واكتفي بالإشارة لما حدث تلميحا.. وبالإشارة من بعيد.. علي طريقة أغنية سيدة السويسية «تعالي بات يوم التلات» و«اوعي تكلمني أبويا.. جاي ورايا» واكتفي بالحديث عن «وعاظ وخطباء» مسترشدا بالآية الكريمة في قوله تعالي «فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين» (الحجرات 6). ما هي الحكاية؟.. وما علاقة شفرات الحلاقة بالوعاظ والخطباء الذين انقطعت صلة الغالبية العظمي منهم بشفرات الحلاقة، اعتقادا منهم بأن اللحية من تمام الرجولة؟ الحكاية كما وردت في الإعلان المنشور.. أن الشركة تتعرض منذ عامين لحملة تضليل للرأي العام.. ومن خلال بعض الصحف لنشر ما أسماه الإعلان بالأخبار المغلوطة التي تهدد الشركة وتغلق أبواب الرزق أمام 3500 موظف وعامل من أبناء الإسكندرية! ويقول الإعلان إن هذه الشركة التي تعمل في مصر منذ سنة 1974 بنظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة.. تعد واحدة من أكبر مصنعين لشفرات وأنظمة الحلاقة في العالم. وإنها تصدر 85% من إنتاجها.. وتضيف للاقتصاد الوطني لأكثر من 30 عاما.. وترفع شعار صنع في مصر في جميع قارات العالم.. إلخ. واستمر الإعلان في سرد الإنجازات التي تحققت والامتيازات التي يتمتع بها العمال.. إلي أن قال: إن من يتأمل «الفتن» يجد فيها من المنافع والخير ما يجعلها تنطوي علي «المنح» علي ما فيها من «محن». وقال الإعلان: لقد حركت هذه «الفتن» في عمال «لورد» كل كوامن النفس، وجمعت قلوبهم علي نصرة شركتهم.. وتحرك العمال بالحب نحو شركتهم «ما لو وعظهم الوعاظ والخطباء عشرات السنين ما وصلوا إليه وتلك من المنح في هذه المحن. كلام يتسم بالغموض.. ويسير علي نمط الغمز بالحواجب.. الأمر الذي يدفع للاعتقاد.. بأننا أمام فتوي طائشة.. تتعلق بشفرات الحلاقة.. كمئات وآلاف الفتاوي التي تشغل عقول المسلمين وتصرفهم في الارتقاء بأحوالهم.. ونظافة الأماكن التي يترددون عليها.. أو إتقان أعمالهم.. إلخ. بيد أن الإعلان المنشور علي مساحة كبيرة.. في واحدة في أكبر صحفنا توزيعا.. لا يتحدث عن فتاوي.. وإنما يتحدث عما أسماه «الفتن».. والفتنة أقوي من الفتوي.. لأن الفتنة أشد من القتل. ويقول مدافعا عن الشركة إن هذه «الفتن» جاءت بعكس المقصود منها.. وأنها جمعت قلوب العمال علي نصرة شركتهم.. وأن العمال تحركوا بالحب نحو شركتهم.. ما لو وعظهم الوعاظ والخطباء عشرات السنين ما وصلوا إليه.. إلخ. ومن الطبيعي أن يطرح السؤال: ما هي الفتن التي يمكن أن تتعرض لها شركة لا تنتج سوي شفرات الحلاقة؟ واضح أن الموضوع يتعلق بشفرات الحلاقة.. وإذا كان الحال كذلك فهو يتعلق بذقن كل مواطن.. لاسيما ونحن علي أبواب انتخابات حرة نزيهة.. يجري استخدام الذقون واللحي في صراعاتها ب «الهبل». صحيح أن الحكومة نجحت في تجريم استخدام الشعارات الدينية.. إلا أنها لم تنتبه للجانب الآخر في القضية.. وهو المظاهر الدينية التي تلعب فيها شفرات الحلاقة دور زكي بدر في مدارس البنين بمصر الجديدة. فمن اللافت للانتباه أنه في الوقت الذي حظرت فيه الحكومة استخدام الشعارات الدينية التي لا تنطوي علي أي مضمون سياسي يناقش قضايا الوطن.. ويدفع المواطنين للمشاركة في العملية الانتخابية.. نجد أن المرشحين الذين التقت بهم الحكومة لتمثيل حزبها السرمدي في الانتخابات.. يتسابقون في استثمار المظاهر الدينية.. وتوزيع لحوم العيد ومعها الصدقات.. وأداء الصلوات وسط حشود الناخبين في مواعيدها والاستعانة بأرباب الذقون العمائم في الترويج لبضاعتهم والضحك علي عقول الناخبين بالندوات الدينية. والطريف في الموضوع.. أن الغالبية العظمي من مرشحي الحزب السرمدي تسعي لتوظيف رجال الدين في دعاياتها الانتخابية من باب مواجهة الخصوم من مرشحي المحظورة.. وفق أيديولوجية «لا يفل الحديد إلا الحديد» لدرجة دفعت اللواء عبدالسلام المحجوب وزير التنمية المحلية ومرشح الحزب السرمدي بدائرة الرمل بالإسكندرية للاستعانة بواحد من ألمع نجوم «الإسلام هو الحل» وهو الداعية عمرو خالد.. للترويج لبضاعة سياسية ليس لها وجود.. وليس لها شعبية.. ومواجهة خصمه صبحي صالح مرشح المحظورة بنفس الدائرة.. بالأحاديث التي تدور حول ما جري في فجر الإسلام. بما يعني أن المعارك الانتخابية.. انتقلت من لافتات ترفع الشعارات الدينية.. إلي واقع بات كل طرف فيه يسعي للاستعانة بخبراء في استخدام الأسلحة الدينية.. من أجل الوصول لقلوب ضحايا الطرفين. وكان من الطبيعي في ظل هذه الأحوال أن يهدد كل طرف بفتح أبواب جهنم في وجه الطرف الآخر. صحيح أن قوات الشرطة تسارع برفع اللافتات التي تنتهك حرمة الأديان.. إلا أن استثمار المظاهر الدينية.. وتجنيد الدعاة لخوض المعارك الانتخابية.. تجري علي قدم وساق لسبب بسيط.. هو أن خداع الناس بالأحاديث عن أمور دينهم أسهل كثيرا من الحديث معهم عن أمور دنياهم التي جعلت حياتهم «متنيلة بستين نيلة».. لدرجة أن صحف الحكومة باتت تصدر بعناوين رئيسية تبشر الناس بإقامة مزرعة لتسمين العجول في أثيوبيا ومضاعفة استيراد الحيوانات الحية واللحوم من دول حوض النيل. وفي إطار السباق المحموم بين مرشحي الحزب السرمدي للهروب من الواقع السياسي الراهن.. وما أسفرت عنه إنجازات الثلاثين سنة الأخيرة من تدهور علي كل المستويات.. بات الحل أمامهم.. يكمن في طرح قضايا الدين.. واستضافة نجوم الدعوة لشغل الناس عن قضايا الوطن.. وبالتالي تراجع النقاش السياسي للبحث عن حلول يمكن أن تقودنا للخروج من المستنقع الحالي. وهي الظاهرة التي أسفرت بدورها عن ظهور حالات من العنف.. تصل في بعض الدوائر لحد تبادل إطلاق النار.. وسقوط قتلي وجرحي.. وإلي تفشي الخزعبلات والخرافات بين البسطاء الذين يترددون علي السرادقات الانتخابية. اختفي الحوار السياسي في السرادقات الانتخابية.. وبات المنطق السائد.. أقرب إلي الحروب الثأرية التي كانت تجري بين القبائل أيام الجاهلية. وفي ظل هذه الأحوال.. يطرح دعاة الانتخابات.. القضايا التي تحرك العواطف.. وتلغي العقول.. مثل الادعاء بأن حلاقة الذقن بدعة.. وأنها من قبيل التشبه بالكفار.. وبالمجوس.. عباد النار.. علي وجه التحديد. ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة تربية الذقون وتوفيرها.. وفقا لما رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي - صلي الله عليه وسلم - عندما قال «خالفوا المشركين.. وفروا اللحي.. واحفوا الشوارب».. وكان الهدف أيامها الحرص علي استقلال الشخصية الإسلامية.. والتمييز في المعني والصورة.. والمخبر والمظهر. علاوة علي ما ذكره الشيخ القرضاوي من أن حلق اللحية تمرد علي الفطرة.. وتشبه بالنساء.. إذ أن اللحية من تمام الرجولة ودلائلها المميزة. ليس ذلك موضوعنا.. ونترك الجدل فيه لغيرنا. ونعود لموضوع الإعلان الذي نشرته شركة «لورد» لصناعة شفرات الحلاقة.. فنقول إنه علي الرغم من غموض ما أسماه الإعلان بالفتنة.. فإن المعركة الانتخابية الحالية.. وغياب الحوار السياسي الهادف.. علاوة علي سيطرة رجال الدين علي الغالبية العظمي مما يتردد في السرادقات الانتخابية.. قد ألقت بين بسطاء هذه الأمة بالعديد من الآراء الفقهية التي لم تمر بأي جهة لديها الرؤية المستنيرة لما يتعين طرحه.. وما يتعين تناوله وفق «فقه الحال».. وهو الفقه الذي يأخذ في اعتباره أحوال المسلمين وأحوال العالم.. الذي تتنافس فيه الشعوب في مجالات العلوم والاقتصاد لصالح الإنسان. وإذا كانت الشركة العالمية العملاقة.. تشكو الفتنة التي نتعرض لها.. فإن الحل في رأينا.. هو زيادة الإنتاج.. والعمل علي توفير شفرات الحلاقة.. ونشر الدعوة لنظافة الوجوه التي تعبر عن نظافة الجسد.. وطهارة الروح.. ونقاء النفس، تحت شعار «شفرات الحلاقة هي الحل».