منعت السلطات الفلسطينية عشرات الشباب الغاضب من اقتحام مقر قناة (الجزيرة) في رام الله، وإحراقه، وكان قرار إغلاق المقر قد صدر قبل أيام إلا أن برنامجا آثار غضب الشباب الذي يتبع حركة فتح ودفعه لمحاولة حرق مقر الجزيرة، ففي البرنامج المذكور ( الاتجاه المعاكس) وجه كاتب فلسطيني مقيم في لندن تهمة الخيانة إلي الزعيم الراحل ياسر عرفات. هذا هو ملخص الخبر المنشور صباح الاثنين في جريدة (الوطن) والذي يؤكد- للمرة العشرين أوالمائة – جدارة قناة (الجزيرة) بما يحدث لها وضدها من غضب ورفض وصولا إلي الكراهية ومحاولات الاعتداء علي مقارها.. هذا علي الجانب الشعبي والجماهيري، أما عن الجانب الرسمي فإن «إيقاف البث» أو «سحب الترخيص» وإغلاق المقر هي الردود علي تجاوزات هذه القناة في حق الكثير من البلاد والشعوب التي تعمل عليها إعلاميا، وقد حدث هذا تجاهها في العراق وفي الأردن وفي فلسطين من قبل، والمغرب وفي بلاد أخري، لكن الغريب أن (الجزيرة) التي حملت عصاها ورحلت أو توقفت لفترة لم تفكر في سلوك ما حدث منها الآن مع مصر بعد إغلاق مكتب (الجزيرة مباشر مصر)، وهو مقاضاة مصر دوليا من خلال مكتب محاماة دولي، بسبب منعها من البث في مصر، علما بأنها لم تتوقف عن بث أخبار مصر ومظاهرات الإخوان في كل مكان، حتي لو كان عددهم حفنة من الأشخاص يؤكد مقدم النشرة أنهم آلاف.. والبث هنا اتسع وأخذ مساحات أكبر علي قنوات الشبكة وليس (الجزيرة مباشر مصر) فقط بما فيها الجزيرة الانجليزية، ومساء الاحد الماضي اعادت القناة الرئيسية لها بث كليب مدته نصف دقيقة واحدة لمدة نصف ساعة تقريبا لعدد من الشباب متراصين في عربة مترو تأكيدا وتعظيما لفكرة ايقاف حركة المترو التي أعلن عنها الإخوان قبلها بيوم وفشلت، صحيح أن الكليب قصير وأنه احتل ثلث الشاشة وحوله مشهدان غائمان لما قيل أنه «مظاهرات في كل مصر» إلا أنه تأكيد علي دعم (الجزيرة) وقطر للإخوان المسلمين سياسيا وعنفيا بلا حدود، فلا يمكننا أن نصف هذا الدعم بأنه دعم لمبادئهم الدينية مثلا وإنما دعم لكل ما يصدر عنهم في اتجاه السيطرة علي مصر وحكمها وإرهابها، ويتسق مع هذا، هذا الفريق من الصحفيين من مؤيدي الإخوان ومحبيهم الذين يقيمون في الدوحة منذ شهرين أو أقل، ويظهرون بانتظام في ستديوهات الجزيرة للهجوم علي مصر وشعبها وجيشها وحكومتها، والكثيرون منهم يبدون في صورة سيئة كونهم كانوا يكتبون في صحف مصرية دون هوي حتي ظهر هواهم فجأة بعد سقوط حكم الإخوان، ومساء الجمعة الماضي تحول العزف ضد مصر إلي ثنائية أو «ديالوج» بين شبكة الجزيرة وبين الشيخ القرضاوي المقيم في قطر لحسابها ضد مصر، وليدخل في تنافس مع الشبكة في البث الهجائي لمصر وأمامه عدة ميكرفونات مكتوب علي كل منها كلمة (قطر) وهو ما لفتت النظر إليه (قناة القاهرة والناس) ومذيعتها دينا فاروق، وبرغم كل هذا النشاط الإعلامي من تعقب أحداث مصر ونشر كل الكليبات والفيديوهات، الواضحة والباهتة، القديمة مع الحديثة، إلا أن الجزيرة لا تكتفي ولا تصبر.. فقد فقدت الكثير من قيمتها منذ فقدت حركتها بين ربوع مصر من أسوان للسلوم، ومن القاهرة للدلتا والصعيد، وفقدت أيضا ذلك الجيش الذي كان يعمل بالجزيرة مباشر مصر ومعه جيش آخر من المراسلين في كل المحافظات المصرية يقدمون ما يمكننا تسميته «نشرة أخبار الإخوان» و«نشرة أخبار مناهضة القوة غير الإخوانية» ثم «نشرة أخبار العنف والفوضي في كل مصر» مع إغفال متعمد لأي بادرة إيجابية، وإغفال أشد لما يحدث في سيناء من إرهاب وعنف جماعات التكفير، ولقد رفض أغلب العاملين في القناة المباشرة لمصر هذا النوع من التغطيات واستقالوا علي دفعتين وأحدثوا فضيحة حقيقية لقيادات الشبكة في الدوحة، واضطر مدير مكتبها بالقاهرة عبد الفتاح فايد للنزول للتغطيات بنفسه مع من تبقي من فريقها، لكن في إطار مناخ مختلف تماما عن ذلك المناخ الذي اتسعت فيه تغطيات الشبكة عقب ثورة 25 يناير 2011، ثم إطلاق القناة الجديدة (مباشر مصر) لتكون لسان حال الإخوان إبان حكمهم مصر وليست لسان حال الحقيقة والموضوعية.. والآن تواجه مصر هذا الموقف الجديد من القناة أو الشبكة، ومن وراءها ، وهو اللجوء إلي القضاء الدولي من أجل إعادة فتح مكتبها في مصر، وإعادة البث، علما بأنه حق معنوي فقط لأن الجزيرة تستأجر ترددات علي كل الأقمار تقريبا مما يجعلها دائما موجودة في كل البيوت مهما غضبت عليها الشعوب أو الحكومات، فماذا تريد الجزيرة من مقاضاة مصر دوليا؟ ولماذا مصر تحديدا وقد أغلقت مكاتبها مرارا من قبل وكاد مكتبها في (رام الله) أن يحرق يوم الثلاثاء قبل الماضي.. الأرجح أنها معركة سياسية جديدة تفي فيها الجزيرة، ومن هم وراءها، بتعهدات تجاه القوي المتحالفة معها، والتي تحالفت مع الإخوان ضد كل المصريين.. ومهما حدث لمصر.. فمرحبا بالمعركة ضد «الجزيرة» .. فهي هنا تقف عارية كخصم سياسي وليس ناقلا إعلاميا يعترف بكل مواثيق وآليات الإعلام.