في منتصف ليل 3 يوليو 2013 رفع شعب مصر رايات النصر حينما أسقط نظام التجويع والاستبداد الدموي واللاوطنية لجماعة الإخوان «المسلمين» وحلفائهم من جماعات الإرهاب المحلي والدولي الذين – ومن خلال استقوائهم بالاستعمار العالمي والصهيونية – شرعوا منذ مجيئهم في تدمير كل ما هو مصري.. وطنا وشعبا ودولة، وقد حقق شعب مصر هذا النصر التاريخي بوحدة كل طبقاته وأطيافه الوطنية واحتشادها السلمي بملايين ليست لها سابقة في تاريخ البشرية لثلاثة أيام وفي كل مدن وقري مصر مطالبا ب «عودة مصر لشعبها» و«بسقوط حكم المرشد». ارتبط الهتاف بسقوط حكم الإخوان بشعاري «مصر حرة مستقلة» و«حرية – كرامة وطنية» لذلك كسب الشعب إلي جانبه القوات المسلحة «وقطاع كبير من ضباط وأمناء الشرطة» التي سيسجل لها التاريخ شرف ونصاعة بيانها بخارطة الطريق الذي ساند ثورة الشعب ضد حكم الإخوان ودستورها المستبد الطائفي – ذلك مهما كان رأي بعض القوي الوطنية في الانحيازات الطبقية لقيادة هذه المؤسسة العريقة أو بعضها.. ولكن من الخطأ الاعتقاد أن سقوط حكم جماعات الإرهاب الدموي اللاوطنية معناه زوال وجودها وتأثيرها وبالتالي خطرها المدمر، فهي بتكوينها التاريخي جماعات تآمرية يرتكز نشاطها علي العنف والسرية لذلك فهي لا تعلن – حتي وهي في الحكم عن حجم وأسماء عضويتها الحقيقية ومصادر تمويلها، إذن هي موجودة، وهي كما تقتل بضمير ميت منذ نشأتها معادية لكل ما هو مصري «وطنا وتراثا وقيما»، فهي أيضا تحترف الكذب والتضليل بمظهر «متدين» يقدم البر للجوعي مستغلة بانحطاط الفاقة والجهل «اللذين وضح أن الإبقاء عليهما محور أساسي ثابت لحكمهم الساقط» ثم إنها مدعومة سياسيا وماليا بالاستعمار العالمي والصهيونية وهو ما فضحته صفقاتهم الخائنة معهما، إن الأساس لكل ذلك هو ما تكشف الآن من أنهم الجناح السياسي الأكثر شراسة للمجموعات المالية التي أفقرت الشعب وجرفت ثروات الأمة والتي مثلتها لجنة سياسات الوطني والتي تكشف أن مليارديراتها إما شركاء أو متنافسون علي احتكار نشاط معين مع مليارديرات قيادات الإخوان والسلفيين إن مجموعات النهب هذه تحتفظ بجماعات الإرهاب المتشحة بالدين كاحتياطي قمعي للشعب تستدعيه حينما يتهددها طوفان الغضب الشعبي جراء نهمها لتحقيق أعلي ربحية احتكارية عبر اندماجها في مخطط الهيمنة الاستعمارية الدولية لتهميش اقتصادنا القومي وإثقاله بالديون عن طريق الفجوة الغذائية إن دعاوي المصالحة إما أنها تصدر عن ذعر البعض من الترويع للشعب الذي يمارسه تحالف الإرهاب الدولي الاستعماري مع أدواته المحلية «الإخوان وحلفائهم» – وهذا ليس إلا عدم الثقة بملايين 30 يونيو الإعجازية للحد الذي يهدر إنجازها، وإما أنها تصدر عن مصالح مجموعات النهب تلك التي تعادي حتي الموت أهداف ثورة الشعب فتستخدم قواها المالية ونفوذها في الأجهزة للالتفاف حول خارطة الطريق لجرها في طريق لا ينتج سوي حكم مبارك السياسي الاجتماعي المرتكز علي الاحتفاظ باحتياطي القمع الشرس.. الإخوان وحلفاؤهم وتغطية ذلك بإصلاحات هامشية «قد» تشتت الحراك الشعبي وطلائعه الشابة الهادف لوطن ديمقراطي حديث ومستقل، إن هذه المصالح في توافق مع العولمة الاستعمارية صاحبة مشروع الشرق الأوسط الكبير «أو الجديد» تجمع كل ما بحوزتها من مناورات ووسائل ضغط لإفراغ 30 يونيو تحت غطاء «دعوة المصالحة» بل وتنجح بطرح الإفراج عن قادة الإرهاب ومن بينهم مرسي فضلا عن الإبقاء علي أس الداء ألا وهو أحزاب المرجعية الدينية مستبيحة في هذا السياق التدخل في شأننا الوطني الخالص. إن الهيمنة الاستعمارية علي العالم تقوم علي ما صرح به أوباما نفسه من أن مستقبل أمريكا في الشرق الأوسط «الكبير طبعا» ومستقبل الشرق الأوسط في مصر، ومصر هنا ليست مصر القوية المستقلة إنما مصر الواهنة وليس شيء يسبب هذا الضعف إلا تفتيت مصر، وشعب مصر إثنية واحدة ومن ثم فإن تسييس الدين هو قاعدة تفتيت مصر. لذلك كانت جماعات الإرهاب المتشحة بالدين بقيادة الإخوان هي ضالة العولمة الاستعمارية التي يدعمونها لتحقيق خططهم الإجرامية. لذلك لنا أن نتصور حجم وكيف الذعر والعدوانية اللذين أصابا أمريكا وحلفاءها جراء ضربة الأمة المصرية لهم في مقتل بثورة 30 يونيو. أي أن المواجهة الآن بين جبهتين محددتين تماما هما «سياسيا».. جبهة العولمة الاستعمارية وأداتها جماعات الإرهاب الديني اللاوطنية بقيادة الإخوان المسلمين من ناحية، وجبهة الأمة المصرية.. الطلائع والقوي الوطنية المدنية والعسكرية التي حركت وقادت وساندت 30 يونيو 2013. وهذه المواجهة تكشف خطر دعاوي المصالحة هذه إن وطننا وشعبنا في لحظة تاريخية فارقة.. فإما أن نحسم وإلي الأبد ما بدأه شعب مصر منذ مائتي عام حينما حفر قبر الخلافة العثمانية وأسس أمته المصرية بجيشه «المتمصر» بالكاد آنذاك، وإما حقبة من الاضطراب وعدم الاستقرار في نضال مرير ضد الهيمنة الاستعمارية بفعل ديكتاتورية دموية متشحة بالدين.. نعم إما طريق الاستقلال والديمقراطية والحداثة والتقدم وإما حقبة لا يعلم مداها إلا الله من المعاناة الدموية يقاسيها الشعب علي أيدي أعدائه إلي أن يتمكن – مرة أخري – من فرض إرادته. وإذا طرحنا السؤال «المصالحة هذه مع من؟» سيجد المذعورون أنهم أمام خيارين فقط فإما الاحتماء بالشعب بفعل قواه الحية التي لا تهزم وإما الخنوع في مزبلة أعداء الوطن بخلخلتهم صفوف قوي الشعب هذه بدعاواهم المضللة. إن المهمة النضالية الأولي – والحال هكذا – هي الحراك بلا هوادة وعلي جميع الجبهات: الفكرية والسياسية والاقتصادية والدينية أيضا، من أجل التصفية النهائية بل واجتثاث تأثير فوجود الإخوان «المسلمين!!» وحلفائهم، وفي ذات الوقت الحراك المتنوع لإنقاذ مصداقية القوات المسلحة بطلبها أمر الشعب لها بمواجهة – وليس مساومة – العنف والإرهاب، وذلك بالحشد لحمايتها من أي ضغط وتمكينها من تنفيذ الأمر. إن خطاب وحركة المناضلين في هذا الاتجاه يجب أن يتوجه – في المقام الأول – لأصحاب المصلحة الأساسيين في الثورة وهم جماهير العاملين في الدواوين والمصانع وجماهير الفلاحين الفقراء وأهالي العشوائيات والأحياء الفقيرة، والطلبة والشباب. غير أن طبيعة المواجهة تتطلب كضرورة وطنية – وثورية أيضا – العمل بكل قوة لكي ينضم إلي هدف خطابنا متوسطو الحال من التجار والصناعيين والحرفيين والمهنيين بل وكبار الماليين الوطنيين المتعلقين بالحداثة والحضارة وقبل كل هذا باستقلال الوطن المصري واستقلال الإرادة الوطنية المصرية. غير أن أي خطاب أو حراك يتطلب – كضرورة وطنية وشعبية – رؤية واضحة ومحددة دون لبس لما يتعين عمله «للانتقال» بمصر إلي طريق المواطنة الديمقراطية والحداثة، وعرض اقتراحنا في هذا الشأن يتطلب مساحة أخري نتطلع إليها.