ولد لعائلة ثرية وذهب لدراسة السينما في باريس فتغيرت بوصلة حياته، وقرر أن يقدم أفلامه عن هؤلاء الذين لم يعرفهم في طفولته وصباه، ولكنه أدركهم في شبابه من خلال انفتاحه علي كل تيارات الفكر في الخارج، واختياره الانحياز إلي اليسار وإلي الناس العاديين الذين يمثلون الأغلبية في مصر، وهب توفيق صالح موهبته وقدراته ككاتب وصانع للسينما للتعبير عن هؤلاء في أفلامه الروائية الطويلة، القليلة، التي أنجزها علي مدي ربع قرن من بعد عودته من باريس عام1953، وعمره 22 عاما آنذاك، وحتي 1980، وقاده غرامه وقتها بمعرفة كل شيء عن القاهرة وهو السكندري القادم من عاصمة النور إلي لقاء نجيب محفوظ وشلته العاشقة للقاهرة بكل تجلياتها، خاصة القاهرة القديمة، ليبدأ من خلال هذه المعرفة رحلته مع السينما بفيلمه الأول (درب المهابيل) الذي كتب له السيناريو نجيب محفوظ وشارك في كتابة الحوار ايضا مع عبد الحميد جودة السحار وليأتي الفيلم (1955) كما لو كان اكتشافا سحريا لعوالم المجتمعات الشعبية في العاصمة، من خلال المكان (الحارة) والناس ونماذجم، ومهنهم وأساليبهم في التعبير ثم هذه المفاهيم الآتية من موروثات شعبية حول «ثروة» تهبط عليهم لتحسن أحوالهم، سواء كان ارثا أو ورقة يانصيب.. تضيع من صاحبها بعد أن شغلت الجميع لينتهي الحلم.. بعده قدم توفيق صالح أفلام (صراع الابطال) عام 1962 عن الصراع السياسي الذي يتخفي في اشكال اجتماعية عديدة لتستمر الاغلبية علي حالها وتستمر الاقلية من ملاك الأرض وأصدقاء الاستعمار (الانجليز) في ملكية كل شيء، وجاء الفيلم الثالث (المتمردون) ليطرح صورة أخري للعسف بالفقراء من خلال مصحة لعلاج السل يتمرد نزلاء قسم العلاج المجاني فيها علي الإدارة والاطباء الذين اصبحوا كالسجانين وليسوا ملائكة رحمة وقد أنتج الفيلم من خلال المؤسسة العامة للسينما التي اقيمت عام 1963 فيما اطلق عليه القطاع العام السينمائي، ولكن هذا لم يشفع للفيلم (المأخوذ عن رواية الكاتب صلاح حافظ) فتم قصه رقابيا بتعسف شديد، وهو ما واجهه توفيق صالح في أفلامه التالية وهي (يوميات نائب في الارياف) عن قصة توفيق الحكيم ثم (السيد البلطي) عن قصة صالح مرسي والتي تدور في البحيرات حيث مجتمع الصيادين الفقير.. بعدها شعر صالح بالغربة، فسافر إلي سوريا وهناك انتجت له المؤسسة العامة للسينما فيلمه السادس( المخدوعون) عن رواية غسان كنفاني (رجال في الشمس) التي تحكي عن غربة وشتات الفلسطينيين بين البلاد العربية، بعدها ذهب توفيق صالح إلي العراق بدعوة لتدريس السينما لطلبة معهدها الوليد آنذاك عام 1976، وهناك انجز فيلمه الروائي الطويل السابع (الأيام الطويلة) عن رواية عبد الامير المعلة عن حياة صدام حسين في جزئها الأول، ثم عاد إلي مصر بأعمال ومشروعات عديدة لم تتحقق ابدا بعد أن اغلقت مؤسسة السينما المصرية ورفعت الدولة في عصر مبارك يدها عن السينما ودعمها كما رفع المنتجون يدهم عن المشروعات السينمائية الطموحة، ظل توفيق صالح يدرس في معهد السينما بمصر ويرأس لجنة المهرجانات بوزارة الثقافة التي تختار الافلام التي تمثلها بالخارج ويشارك في كل الاحداث الثقافية ويكرم في المهرجانات السينمائية هنا وهناك دون أن تتغير أفكاره عن السينما كوسيلة توعية وتغيير وليست تسلية وترفيه كما هو سائد.. فوداعا فنان السينما الكبير. رفيق الصبان.. والكتابة حتي اللحظة الأخيرة مثل توفيق صالح، درس رفيق الصبان الفن في باريس، وحصل علي الدكتوراه، وعاد إلي سوريا ليعمل في المسرح مخرجا، وضاقت به السبل فسافر إلي القاهرة في الوقت الذي تركها فيه صالح تقريبا، بداية السبعينيات.. وفي مصر بدأ رفيق الصبان عمله مدرسا للسيناريو في معهد السينما بأكاديمية الفنون، وفي معهد النقد الفني، وفي نفس الوقت بدأ ممارسة النقد السينمائي والمسرحي، بعدها بدأ يمارس الكتابة للسينما بفيلم أول أثار ضجة كبري في حينها (1972) هو (زائر الفجر) الذي يتعرض لتجاوزات البوليس السياسي، اوقف الفيلم ومنع عرضه وسار د. الصبان في طريقة الأول كمدرس وكاتب نقد حتي بدأ يكتب من جديد للسينما أفلاما غير سياسية مثل (قطة علي نار) حتي وصل مرة أخري إلي ساحة الفيلم السياسي ولكن بدون مباشرة وبلا التباس، فقدم (كونشرتو درب سعادة) و(ليلة ساخنة) ثم (الباحثات عن الحرية) وبين مسيرته كتب العديد من المسلسلات ايضا سواء كتابة السيناريو فقط أو (القصة أم العمل بكامله) وفي كل هذا الزمن لم يتوقف قط عن كتابة النقد السينمائي والدرامي وأيضا الكتابة عن عروض الأوبرا ا لمصرية، وفي السنوات الأخرية استطاع تأسيس أول ناد للسينما في دار الأوبرا بعد أن انتهي (نادي السينما) المصري وأغلق ابوابه منذ عقدين من الزمان.. في العامين الماضيين لم يتوقف رفيق الصبان عن الذهاب إلي المستشفي للعلاج أو لإجراء جراحات، وفي كل لحظات الافاقة بينما لم يتوقف بعباراته الفريدة وأسلوبه الذي لن يتكرر في تحليل الأعمال الابداعية والاضافة إليها. وداعا للناقد المبدع الكبير.