أكتوبر .. گان .. وأصبح قبل السادس من أكتوبر بأيام وبعده، رحت أتأمل هذا الحدث الوطني الخالد. وفضلت تأجيل الكتابة عن الملحمة إلي ما بعد مرور ذكراها، لعل وعسي. أقصد علي أمل أن يأتي تعاملنا مع هذا الحدث الذي قلب الموازين محليا وإقليميا ودوليا علي مستوي الحدث نفسه. لكن تحولت ذكري الملحمة الخالدة إلي «مولد» لا يرقي حتي إلي مستوي موالدنا الكبري، مثل السيدة زينب والسيد البدوي وسيدي إبراهيم القناوي. فلنتذكر معا شريط الأحداث ونتوقف عند بعض التواريخ: أكتوبر 1973، أكتوبر 1974، أكتوبر1981، أكتوبر 2000، أكتوبر 2005، أكتوبر 2010. ونسأل أنفسنا: كيف كان أكتوبر عام 1973؟ وماذا أصبح بعد 37 عاما؟ في أكتوبر 1973 كان مشهد الجيش المصري وهو يطارد الصهاينة، يذكرنا بجيش مصر بقيادة أحمس الأول وهو يطارد جحافل الهكسوس، وبجيش مصر بقيادة صلاح الدين وهو يطارد الصليبيين. في أكتوبر 1974 أعلن السادات سياسة الانفتاح، التي قلبت المجتمع رأسا علي عقب، وأدت إلي انتفاضة يناير 1977. في أكتوبر 1981 كان اغتيال المتطرفين الدينيين الذين صنعهم الرئيس المؤمن لضرب اليسار. في أكتوبر 2010، نشهد بيع التراب الوطني الذي حررناه بدمائنا عام 1973 إلي حفنة من القتلة واللصوص. وقصة مدينتي تجسد هذه الخيانة العظمي. في أكتوبر 1973 حارب الجنود الجزائريون إلي جانب المصريين ضد عدو واحد هو إسرائيل، واختلط الدم بالدم. وفي العام الماضي غيرنا صفة الجزائريين من أشقاء إلي أعداء. والسبب: كرة القدم! في أكتوبر 1973 حاربنا نحن المصريين أقباطا ومسلمين كتفا بكتف تحت الراية المصرية دفاعا عن الوطن، واختلط الدم بالدم. وفي 2010 تواري الوطن ونكست رايته، فتحول المصريون من "نحن المصريين" إلي "نحن ... " و"هم ... ". في أكتوبر 1973 كانت مصر هي محور الارتكاز للعالم العربي وطليعة الصف الإفريقي. والآن تحولت مصر من فاعل إلي مفعول به، وتراجع دورها بصورة مخيفة. لقد غاب أكتوبر أو كاد من الذاكرة الوطنية. فأكثر من نصف المصريين الآن لم يعايشوا تلك الملحمة الوطنية العظيمة. ولم نقدم لهم التاريخ علي أنه سيرة أمينة لكفاح الشعب ونضال الأمة، بل علي أنه سجل مزيف لإنجازات الحاكم وبطولات الزعيم. وأصبح المصري بلا ذاكرة وطنية، فغاب الانتماء وضاعت الهوية. في أكتوبر 1973 كان فساد الكبار كسر بسيط قياسا إلي فساد الكبار في أكتوبر 2010. وبفضل فساد الكبار وسياساتهم بلغ سعر اللحم في أكتوبر 2010 (بعد 37 سنة سلام) أكثر من ثمانين جنيها، مقابل أقل من ثمانين قرشا في أكتوبر 1973 (بعد سبع سنوات حرب)!