رغم جدية وموضوعية الكتابات السياسية والإستراتيجية والتاريخية التي تم نشرها طوال ال37 عاما حول معركة العبور في6 اكتوبر1973 وتحرير سيناء, فإن هذه الكتابات لا تغطي كل المجالات وتفتقر الي المزيد من الوثائق لم يكشف النقاب عنها أو لم يتم توفيرها أمام الباحثين, حتي يتمكن مؤرخو مصر من كتابة ملحمة اكتوبر بكل أبعادها. وتجميع وتنظيم وفهرسة الوثائق هي الخطوة الأولي لكتابة هذه الملحمة البطولية, ومفهوم الوثيقة لا يقتصر علي قرار إعلان حرب اكتوبر وإنما يمتد الي وثائق صنع هذا القرار نفسه باعتباره أخطر قرار إستراتيجي أملته الإرادة السياسية للأمة في عصرها الحديث.والوثائق أيضا لا تعني مجرد قرارات تحريك القوات المسلحة ولا مجموعة البيانات العسكرية التي رصدت عملية العبور العظيم لقواتنا المسلحة واجتياحها خط بارليف, وإنما تشمل ايضا وثائق الجبهة الداخلية وموقفها البطولي بالتطوع والصمود والدفاع, وكذا وثائق مساندة الرأي العام العالمي, ووثائق الأسواق العالمية التي اهتزت لهذا الحدث الكبير, ومنها سوق البترول ووثائق العدو وردود فعله من هول المفاجأة.. إلخ. ووثائق صمود الجبهة الداخلية باعتبارها سند جبهة القتال تشمل فيما تشمل وثائق لجان الإعداد للمعركة ولجان الدفاع الشعبي وغيرها من اللجان الشعبية التطوعية. كما يمكن ان تشمل أيضا كل بيان نقابي بشأن من شئون المعركة, وكل مقال صحفي منشور وقتها يعكس توجهات الفكر السياسي المصري قبيل وخلال المعركة... إلخ والمعني الواسع لمفهوم الوثيقة التاريخية هو الاتجاه السائد لدي المدرسة التاريخية المصرية المعاصرة بمؤرخيها الذين بادروا بالكتابة عن هذا الحدث بما تيسر لهم من وثائق ومعلومات وصور. ان كتابة ملحمة اكتوبر في اطار موسوعي متكامل يتطلب إذن في البداية اعدادا وثائقيا في المقام الأول قبل الشروع في الكتابة برؤية شاملة وبكل أبعادها وتداعياتها طوال ال37 عاما وهذا يعني ان القصد ليس تسجيل أحداث ملحمة اكتوبر فحسب وإنما تحليل مضمونها ورصد دروسها المستفادة لجيل6 اكتوبر والاجيال التي لم تعاصر الحرب طوال العقود الأربعة الأخيرة. إن هذا العمل الوطني غير المسبوق مشروع قومي يتطلب تعبئة كل المؤرخين والمفكرين طواعية للإسهام في هذا العمل الوطني دون تشكيل لجان تعيق العمل, فالتاريخ السياسي علم وتشريف لكل مؤرخ وطني وليس وظيفة تكليف ومن الأهمية أيضا اسهام القيادات التي شاركت عن قرب طوال سنوات التحرير في الإدلاء بشهاداتهم. وقد تناول الرئيس الراحل أنور السادات في خطبه وأحاديثه تذكير الأجيال بمعركة التحرير ودروسها, ويحرص الرئيس مبارك منذ توليه الرئاسة علي توجيه كلمة الي الأمة بمناسبة ذكري اكتوبر, وأكد الرئيس في كلمته في5 اكتوبر الحالي أن حرب اكتوبر ستبقي نقطة تحول في تاريخنا المعاصر, ومن الأهمية بمكان ان يشارك الإعلام في تنشيط الذاكرة الوطنية بهذا الحدث الذي سوف تتناقله الأجيال جيلا وراء جيل, ويمكن للإعلام المكتوب والمرئي والمشاهد التركيز علي النقاط الثلاث التالية: أولا: إن حرب السادس من اكتوبر1973 لم تكن كسابقتها حرب الأيام الستة( حرب1967) فالاحتلال أيا كانت صفته مجرد جملة اعتراضية في حياة الشعوب بمعني ان الجلاء هو نهاية المطاف مهما تطول سنوات الاحتلال ولكن تبقي لملحمة التحرير تداعياتها وروحها علي مدي سنين وعقود طويلة ومن هذا المنطلق فإن حرب السادس من اكتوبر1973 لم تكن مجرد اجتياح خط عسكري حصين كخط بارليف فحسب وإنما كانت إيذانا بحسم قضية الصراع العربي الاسرائيلي, ففي قمة انتصار مصر خلال أيام القتال الأولي أعلنت مصر مبادرة السلام من موقع قوة لا يستهان بها وبعدها خاضت الدبلوماسية المصرية حربها التي لا تقل جسارة عن قتال الجبهة لتحرير سيناء. ثانيا: اكتملت للتجرية المصرية في عملية السلام وفي عهد الرئيس مبارك كل عناصر نجاحها بعد أن تمرست علي إدارة عملية التفاوض الصعب مع اسرائيل وتوفر لها خبرة لم تكن متاحة للأطراف العربية الأخري ومن هنا فإن مصر منذ التحضير لمؤتمر السلام في مدريد30 اكتوبر1991 لم تتردد في النهوض بمسئولياتها القومية حيال اشقائها العرب بل حيال المنطقة بأكملها حتي يتم إحلال السلام العادل علي أساس من الحق والعدل والكرامة للجميع ولقد أصبحت صيغة كامب ديفيد إطارا مرجعيا لكل مفاوضات السلام في الشرق الأوسط أيضا لحالات عديدة من الصراعات الموجودة في أفريقيا وآسيا. ثالثا: إن هذا الجهد القومي المصري لإرساء السلام العادل والدائم في المنطقة ليس عملا رئاسيا أو مهمة من مهمات السياسة الخارجية فحسب بل يمس من قريب ومن بعيد كل فئات المجتمع المصري من ناحية وكل جيل من أجيال المجتمع المصري من ناحية أخري. وعلي مثل هذا النهج يمكن التناول الإعلامي لملحمة أكتوبر برؤية شاملة وبكل دروسها المستفادة ولكل الأجيال حتي لا يعتقد الجيل الجديد أن الملحمة قد أنهت فصلها الأخير ودخلت في ذمة التاريخ.