ما صدر حكم قضائي ضد الاخوان إلا وصرخوا قبل قراءته : الغوث ، النجدة ، حكم مسيس. شئ اصبح يثير السخرية و التندر. ألا يخجلون من الاتهام المستمر بالتسييس حتي في المواد الجنائية التي تبني علي الأدلة و الوقائع ؟ الحكم الصادر من محكمة جنح الاسماعيلية يفتح النقاش القانوني حول المسئولية الجنائية لرئيس الجمهورية وفقا للدستور الجديد. صحيح ان الماده 251 تقرر ان اتهام الرئيس بجناية او بالخيانة العظمي يكون بإجراءات خاصة تبدا بتوجيه الاتهام و الموافقة عليه بواسطة غرفتي البرلمان ، الا ان إعمال هذه الماده يفترض-: اولا : ان الوقائع محل الاتهام قد ارتكبت بعد العمل بالدستور حتي تنصرف اليها احكامه واجراءات المادة 152. ثانيا: طالما ان الامر يتعلق بجريمة ذات طابع سياسي كالخيانة العظمي فالامر يتعلق غالبا بالاعمال الداخلة في نطاق مباشرة الرئيس لسلطاته الرئاسية. هذا هو نطاق تطبيق النص الذي يعتبره البعض مانعا مطلقا من اقرار مبدأ المسئولية الجنائية للرئيس في الدستور المصري. و هو خطأ فادح في الفهم لا يليق ان يرتكبه استاذ مفترض فيه القيام بتدريس القانون بالجامعة و ذلك للاسباب التالية : اولا : الاعمال الاجرامية التي يرتكبها الرئيس ولا تتعلق بممارسته لاختصاصاته الرئاسية تخرج عن نطاق تطبيق هذا النص و تخصع لمبدأ المسئولية الجنائية الكاملة عن الجرائم المرتكبة لانه لا تعطيها حصانة رئيس الجمهورية. ومنها الوقائع التي ارتكبها و لا علاقة لها البته بممارسته لوظيفته (مثل الهروب من السجن او التخابر.. الخ ) و كذلك كل الاعمال الاجرامية ذات الصلة بالوظيفة الرئاسية يخضع فيها الرئيس للقانون الجنائي فهو ليس فوق القانون. و قد ثارت المشكلة بذات المعني في فرنسا و اعطاها القضاء الفرنسي ذات التفسير الذي اقدمه هنا والذي يتفق مع احكام قانوننا المصري. ثانيا : الاعمال التي ارتكبت قبل العمل بالدستور و قبل ولاية الرئيس ( كتلك الواردة بنص حكم محكمة جنح الاسماعيلية) يسأل عنها ايضا جنائيا الرئيس و تحكمها المبادئ القانونية العامة و لا يحكمها النص الخاص للماده 152 المتعلق فقط بالجنايات و اعمال الخيانة العظمي المرتكبة. و لقد غفل البعض عن سوء صياغة الماده 152 و عدم تحديدها. و كأن من أعمالهم سلط عليهم. فصياغة النص لا تسمح باطلاق مبدأ انعدام المسئولية الجنائية علي النحو الذي أكده علي يقين فاسد احد مستشاري الرئيس دون ادني حذر قانوني في تفسير النص.ومن المؤسف ان نلاحظ ان رد فعل اساتذة القانون الموالين للاخوان يشوبه دائما ذات التحيز الأعمي ويكاد ينسيهم علم القانون، فيرددون اخطاء عفي عليها الزمن من نصف قرن يظنونها قائمة حتي اليوم لعدم اطلاعهم علي الفكر القانوني الحديث . ذلك ان الدساتير والاحكام القضائية تفرق بين الاعمال الداخلة في نطاق الوظيفة الرئاسية وتغطيها جريمة الجناية العظمي من ناحية ، والاعمال التي لا تتعلق بالوظيفة الرئاسية و هذه تحكمها قواعد القانون الجنائي العادية. فمن الجهل اطلاق النص في التطبيق الزمني و من الاجهل اطلاق نطاق تطبيقه المادي او الموضوعي علي الجرائم جميعها. ثالثا : قرر البعض – نتيجة جهل كامل بالتجرية الفرنسية – ان عدم مسئولية الرئيس جنائيا هو مبدأ عام مقرر في العالم كله و في فرنسا ايضا التي يعتبرونها مصدرا ملهما لهم رغم جهلهم العميق بنظامها الدستوري و بكل اسف . فلقد تم اتهام ومحاكمة الرئيس الاسبق للجمهورية الفرنسية چاك شيراك عن الاعمال المرتكبة إبان رئاسته لعمودية مدينة باريس و قبل توليه الرئاسة . و كان تحريك الاجراءات الجنائية ضده اثناء فترة ولايته. اما عن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي فتحرك الاتهام ضده بعد تركه السلطة مباشرة عن مخالفات ارتكبها تتعلق بتمويل حملته الانتخابية. و في النهاية لا أحد ينسي اجراءات منع رئيس الجمهورية الامريكي بيل كلينتون من مزاولة وظائفه بعد فضيحة يندي لها الجبين. و تدل هذه الامثلة علي عدم صحة الزعم الكاذب بان الرئيس غير مسئول جنائيا في العالم كله كما قرر بعض المساندين للاخوان لتبرير انتهاكاتهم للقانون كعادتهم. في النهاية فلنرفع نقابا يستر الحقائق ، الاحكام القضائية ليست مسيسة و لكنها تنطوي علي عيب اكثر جسامة في نظر ترزية الاخوان : انها تكشف ان القانون يقف ضد مصالحهم. استاذ القانون الدستوري و الحريات العامة بكلية الحقوق و العلوم السياسية جامعة لاروشيل – الجمهورية الفرنسية عضو الجمعية الفرنسية للدستوريين