علي مر التاريخ قاوم المصريون جبروت الحكام بالسخرية، وابتكروا النكات والأغاني المعبرة عن غضبهم وقهرهم. تمكنوا من اختراع النكت والأمثال الشعبية وتطويرها وفقا للأحداث والأزمات، لمواجهة الأوضاع المجحفة والحكام الفاسدين. عندما ساند الشعب المصري الزعيم أحمد عرابي، ضد كل من الاحتلال والخديو توفيق الذي دعا الغزاة لاحتلال مصر والقضاء علي الثورة العرابية، حينذاك تعالت الأناشيد الوطنية ومنها: “يا توفيق يا وش النملة مين قالك تعمل دي العملة؟” و “المية في الإبريق يا رب خد توفيق”. في ثورة 1919 عندما منعت الأغاني التي تشيد بزعيم الثورة سعد زغلول، لم يغلب المصريون وغنوا رغم انف الغزاة: “يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح.. يا بلح زغلول.. يا زرع بلدي عليك يا وعدي يا بخت سعدي” وقيل إن الرئيس جمال عبد الناصر كان يخشي النكتة خاصة إبان نكسة 1967، لكنه كان يحرص علي سماعها، كذلك الرئيس السادات كان لديه جهاز خاص لجمع النكات التي يرددها الشارع المصري. لقد عرف عن الشعب المصري علي مر العصور انه يقاوم كل مظاهر الفساد والحكومات المستبدة و الطغاة بالتهكم والسخرية والنكات، كما اشتهروا علي مر الأزمنة والثورات والنكسات بروح الدعابة والحس الفكاهي، وهو ما تجلي مؤخرا عقب الحكم بإعدام 21 في قضية مذبحة بورسعيد المروعة التي راح ضحيتها 74 مصريا، وبعدما اجتاح الغضب نفوس المصريين وانتشرت الفوضي والاعتداءات علي المتظاهرين، انتظر المصريون خطاب الرئيس ليثلج الصدور، ويهدئ النفوس، لكنه ظهر علينا بعد عدة أيام ليهدد ويتوعد، وزاد الطين بله، وأعلن حالة الطوارئ في أكثر المدن اشتعالا وغضبا، السويسوالإسماعيلية وبورسعيد. وسرعان ما حولت تلك المدن قرار الحظر إلي مهرجانات ليلية، وفي لمح البصر انهالت النكات والشعارات والأغاني الساخرة من تلك القرارات ومنها: حظر إيه اللي أنت جاي تقول عليه؟.. وصفولي الحظر لقيته خيال وكلام في الهلس.. كلام في الهلس يادوب يتقال.. أهرب من الحظر أروح علي فين؟ وأعلنوا انه توافد الآلاف علي بورسعيد والإسماعيليةوالسويس لقضاء حظر التجول هناك!! وأن الناس ماليه الشوارع للاحتفال تحت شعار “ساعة الحظر ماتتعوضش”.. والشعب يريد استمرار حظر التجول!! وقالوا علي رأي المثل “اللي أوله حظر آخره تنحي”. معلش يا مرسي هي مصر كده .. تديها حظر تديك تجول. وأن أهالي مدن القناة يناشدون رجال الشرطة البواسل بالنزول إلي الشوارع لتنظيم المرور لان الحظر زحمه أوي!! أما الأغنية الشعبية فهي جزء أصيل من التراث الشعبي والفلكلور، فرأينا أهالي الإسماعيلية وهم يغنون: “رجلي _.. من أيه؟ إمبارح.. – للي. حقا تلعب الأناشيد والشعارات والنكت دورا فعالا في الثورات مثلما قال عالم النفس سيجموند فرويد بأنها “محاولة قهر القهر”، وسيظل الشعب المصري العظيم يضحك ويسخر من جلاديه حتي الانتصار المؤكد.