الرئيس السيسي يستقبل رئيس الأركان الباكستاني ويؤكد أهمية تعزيز التعاون العسكري ومكافحة الإرهاب    أهداف مباراة ليفربول ضد يوكوهاما مارينوس الودية    هل يرحل ديانج عن الأهلي؟.. طالع التفاصيل    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه تونس في أجندة سبتمبر    مصنعو الشوكولاتة الأمريكيون في "ورطة" بسبب رسوم ترامب الجمركية    روسيا: الحوار بين إيران والصين وروسيا يظهر إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني    إعلام لبناني: الجيش الإسرائيلي يستهدف بالمدفعية أطراف بلدة "عيترون" جنوبي لبنان    رئيس الوزراء: استراتيجية وطنية لإحياء الحرف اليدوية وتعميق التصنيع المحلي    ختام موسم توريد القمح في محافظة البحيرة بزيادة 29.5% عن العام الماضي    عاجل| وزارة الكهرباء تعلن إصلاح عطل محطة محولات جزيرة الدهب    أندية سعودية تتحرك لضم ليفاندوفسكي في ميركاتو الصيف    الممنتخب المصري للمصارعة يحصد 6 ميداليات في دورة الألعاب المدرسية بالجزائر    اعتذار عدد من مدربى قطاع الناشئين بالزمالك.. اعرف التفاصيل    المشدد 7 سنوات لعاطلين في استعراض القوة والبلطجة بالسلام    أصيب مع شقيقه في الحادث.. تشييع جثمان شاب توفي إثر انقلاب موتوسيكل بكفر الشيخ    35 ألف طالب تقدموا بتظلمات على نتيجة الثانوية العامة حتى الآن    غدًا جنازة لطفي لبيب من كنيسة مارمرقس كليوباترا بمصر الجديدة    أحمد زايد: الفوز بجائزة النيل في فرع العلوم الاجتماعية ليست نهاية المطاف بل البداية    هيئة فلسطينية تثمن جهود مصر لإدخال كمية كبيرة من المساعدات إلى قطاع غزة    روسيا تلغى تحذير تسونامى فى كامتشاتكا بعد الزلزال العنيف    رئيس جامعة بنها يترأس اجتماع لجنة المنشآت    بعد عامين.. عودة ترافورد إلى مانشستر سيتي مجددا    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    رئيس "الوطنية للانتخابات": جاهزون لانتخابات الشيوخ.. وتدريب أكثر من 10 آلاف قاضٍ للإشراف    7 مؤتمرات انتخابية حاشدة لدعم مرشحي مستقبل وطن بالشرقية    رئيس مجلس الدولة: نثمّن دور النيابة الإدارية في دعم دولة القانون    ضبط عاطل و بحوزته 1000 طلقة نارية داخل قطار بمحطة قنا    مي طاهر تتحدى الإعاقة واليُتم وتتفوق في الثانوية العامة.. ومحافظ الفيوم يكرمها    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    تكنولوجيا المعلومات ينظم معسكرا صيفيا لتزويد الطلاب بمهارات سوق العمل    مدير أمن سوهاج الجديد يكثف جولاته الميدانية لضبط الحالة الأمنية    "التضامن" تستجيب لاستغاثات إنسانية وتؤمّن الرعاية لعدد من السيدات والأطفال بلا مأوى    الصحة تناقش إنشاء شبكة عيادات ذكية لخدمة سكان الإسكندرية    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    لترشيد الكهرباء.. تحرير 145 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    السفير الأمريكي بإسرائيل: لا خلاف بين ترامب ونتنياهو.. والوضع في غزة ليس بالسوء الذي يصوره الإعلام    فرانشيسكا ألبانيزي عن فرض واشنطن عقوبات عليها: ستضرني لكن التزامي بالعدالة أهم من مصالحي الشخصية    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    فى لفتة إنسانية.. الأجهزة الأمنية بالقاهرة تنجح فى إعادة فتاة لأهليتها    مصير رمضان صبحى بقضية التحريض على انتحال الصفة والتزوير بعد تسديد الكفالة    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    معلومات الوزراء: مصر في المركز 44 عالميًا والثالث عربيا بمؤشر حقوق الطفل    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    حميد أحداد ينتقل إلى الدوري الهندي    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يوليو 2025    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحة من تاريخ مصر د. رفعت السعيد
نشر في الأهالي يوم 30 - 06 - 2010


مناضلون يساريون
محمد خليل قاسم (2)
قل رأيك، وحارب الخطأ بقسوة، حتي ولو غضب منك الجميع، فأي مناضل هذا الذي لا يستطيع أن يواجه العالم كله برأيه؟.
محمد خليل قاسم «في حوار استحثني فيه أن أنتقده
بصراحة»
ومنذ اللحظة الأولي لسكناه معي هاربا من الأمن بدأ جلسات حوار ونقد شديد لأسلوبنا في العمل عندما عملنا وحدنا زمنا نعارض «الديكتاتورية العسكرية» بعيدا عن إشراف قيادة لا نجد سبيلا للاتصال بها، كان نضالنا يتلخص آنذاك في الكتابة علي الجدران وكان الأمر يتطلب حذرا وشجاعة لكنه دقق في الشعارات المكتوبة ووجد أخطاء وشدد في انتقادها، وفحص أساليب تحركنا وكيفية تأمين عملية الكتابة وانتقدها بعنف وبدوت وأنا الذي كنت أزهو بأنني مسئول كل هؤلاء المناضلين الشبان كأنني تلميذ في محراب شديد القسوة، احتملت النقد فقد أحببت في الرجل إخلاصه وصراحته وصرامته، واحتفظت لنفسي سرا بالحق في نقده إن أخطأ.. وبعد أن تفرقت بنا السبل هو غادرنا إلي منزل آخر ثم قبض عليه ليرسل إلي السجن الحربي وأنا قبض علي لأذهب إلي سجن مصر، التقينا وكان «بيان السجن الحربي» وهو بيان أصدره رفاقنا القادة السجناء يحيون فيه تقارب عبدالناصر مع الاتحاد السوفيتي، وقام كل السجناء في سجن مصر بهجوم كاسح علي القادة الذين أصدروا البيان وتعالت الاتهامات بالخيانة، أنا رفضت البيان ورفضت التخوين، وجلست إليه قلت لدي انتقادات شديدة وأتردد في قولها فهاج محرضا إياي أن أواجه العالم، كله بما أعتقد أنه صائب.. وهكذا تعلمت منه درسا ثمينا،وتتفرق السبل مرة أخري، هو إلي سجن طرة وأنا إلي سجن القناطر، لكننا وإذ نلتقي نجد صداقتنا وقد نمت أكثر وأكثر.. وإذ استقر بنا المقام في سجن «جناح» تتلمذت تماما علي يديه، أمرني أن أتعلم الإنجليزية وبذلت جهدا خارقا، وأمرني أن أخوض غمار الترجمة وأعطاني مقالا من صفحتين ووجد في الترجمة أكثر من مائة غلطة، وأمر بإعادة الترجمة وأعدتها، ثم أعدتها، ثم بدأت الترجمة تستقيم بقليل من الأخطاء، وأمرني أن أحفظ الشعر وحفظت، وأمرني أن أجرب كتابة التحليل السياسي وفعلت، باختصار كان يقوم بصناعتي، وفي هذه الأثناء صدر قرار بفصل كل السجانين الذين لا يتعلمون القراءة والكتابة إما الحصول علي شهادة محو الأمية أو الفصل، السجانون كانوا في الأغلب متوحشين وعند الأوامريضربون بقسوة وكأنها خصومة شخصية، وأكثرهم عذبنا في سجن القناطر وأبوزغبل وطرة ولهذا ارتفعت نغمة وسطنا بألا نعلمهم نتركهم للفصل فهم أعداء طبقيون، هو لقنني درسا آخر.. هم مساكين مقهورون مثلنا وما أسهل أن نكسبهم إلي صفنا، وافتتح فصلا وفصلا ثانيا، والسجانون يأتون لفترة ويرحلون، وكل من يرحل يكون قد تعلم.. وأسماه السجانون «حضرة الناظر» وظل هذا اسمه حتي أفرج عنا، والمثير للدهشة أن مصلحة السجون اعترفت بمدرسة حضرة الناظر وبالشهادة التي يوقعها كشهادة رسمية لمحو الأمية، ونفترق لنلتقي مرة ثانية في سجن المحاريق، هو أصبح قائدا ناضجا تماما وأنا تعلمت كثيرا من دروسه الجادة والقاسية، كان العمر يتقدم بي وبه، وأحسسنا بأن العمر يتسرب من بين أيدينا، وبدأنا فصول تقوية مكثفة، كل منا يستحث الآخر، قرأنا دواوين شعر عديدة، حفظنا قصائد بلا حصر، قرأنا القرآن عديدا من المرات ثم سألته لماذا لا تكتب مذكراتك؟ وتناقشنا في لماذا؟ وكيف؟ ومتي؟ واستقر الأمر علي أن يسجل تاريخ النوبة في رواية، وبدأ في كتابة «الشمندورة» والمشكلة لا أوراق، فالكراسات شحيحة وبدأ الكتابة علي ورق شكاير اللبن الجاف، وهي شكاير تشبه شكاير الأسمنت، وفصلا فصلا أقوم أنا بنسخها علي ورق البافرة بخط دقيق جدا، وفيما هو يكتب كلفني بترجمة كتاب «أضواء علي الهند الصينية» ثم هو يراجع الترجمة فصلا فصلا، وأنا أكتب له علي البافرة فصلا فصلا، وعندما انتهيت من ترجمة أضواء علي الهند الصينية قال مكشرا عن أنيابه ترجمت كتابا سياسيا لكن الترجمة الحقيقية هي ترجمة الأدب وأحضر لي رواية «الأرض» لإميل زولا، وانهمكت فيها وانهمك هو في «الشمندورة» وفي مراجعة الترجمة، وانتهت كتابة «الشمندورة» وبدأت مشكلة كيف؟ وأين؟ كيف نهربها خارج السجن؟ وأين تحفظ وتم تهريبها إلي ليلي الشال «ولم نكن قد تزوجنا بعد» وهو يعيش حالة قلق دائم، فماذا لو أنها ضاعت؟ وأطمئنه، وأعيد طمأنته وهو لا يطمئن، حتي أفرج عنا وسلمت لفافات البافرة له، لكن نظره الضعيف لم يلتقط الأحرف الصغيرة، فكتبتها له في كراسات، وصدرت «الشمندورة» لتحدث ضجيجا، وتذاع مسلسلا في صوت العرب، وتزهو بها كل الأندية النوبية في ندوات لا تنتهي، أما هو فقد خرج من زنزانة السجن الضيقة إلي غرفة أصغر معلقة فوق سطح في تجمع نوبي بالقرب من سوق الجمال في إمبابة، زرته هناك عندما قرر أن يتزوج قدمت له هدية لم أجد لها مكانا توضع فيه، الغرفة لم تحتمل المروحة التي حملتها معي، أخته فرحت جدا بها، أما هو فقد اكتفي بابتسامة سرير وحصيرة ووابورجاز وفقط وحمام مشترك، وعندما صدر قرار الحل زارني، ارتمي في أحضاني باكيا، قائلا لم أبك عندما مات أبي ولا عندما سمعت بموت أمي، أما أن يموت الحزب فأنا يتيم حقا، وفيما يقترب يوم زواجه قرر القلب الجميل أن يتوقف، اخته احتارت جارتهم أحضرت بصلة كسرتها ووضعتها قرب أنفه لم يعد يتنفس.. فالفقراء يموتون غدرا ودون علاج.
رحل محمد خليل قاسم لأفقد أستاذي وصديقي.. وهو صديق لا يتكرر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.